بسم الله الرحمن الرحيم
(ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم)
الحمدلله رب العالمين ،وأشهدأن لاإله إلا الله أنزل الكتاب تبيانا لكل شيء ،فما ترك خيرا يقرب إليه إلا دلنا عليه ،وما ترك شرا يباعد عنه إلا حذرنا منه ، وأشهدأن محمدا عبده ورسوله المبلغ عن ربه تشريعه ووحيه ، فما قبض حتى تم البلاغ وأقام الحجة على العالمين بما جاء به من الحق المبين ،فتركنا على البيضاء ليلها كنهارها ،لايزيغ عنها بعده إلا هالك صلى الله عليه وسلم صلاة وسلاما دائمين أرجو بهما شفاعته يوم الحساب .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{102})آل عمران (102)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً{1})النساء(1)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً{70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً{71})الأحزاب (70-71)
أما بعد :
فإن أول دعوة الرسل جميعا وأول واجب يجب على المكلف أن يعلمه لفظا ومعنى هو شهادة أن لاإله إلا الله ، ومن حقها ولازمها شهادة أن محمدا رسول الله .
هذه الكلمة العظيمة التي من حققها نال غاية ما يتمناه ،ومنتها ما يهواه وعاش سعيدا في دنياه وأخراه ،قال النبي صلى الله عليه وسلم:( ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، صدقا من قلبه ، إلا حرمه الله على النار)متفق عليه عن أنس ، أما موضوع هذه الرسالة فهو شرح حديث أبي ذر رضي الله عنه (ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة ) والحديث أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه برقم (5489)والإمام مسلم رحمه الله برقم (283) وذكر بعضا من فضائل(لا إله إلا الله ) وشروطها وأركانها ونواقضها لأنها هي الكلمة الفاصلة بين الشرك والتوحيد ، والفاصلة بين الحق والباطل ،فبهذه الكلمة يدخل الناس الجنة ، وبها يدخلون النار ، ومعنى ذلك أن من اعتقد بها وحققها وعمل بمقتضاها دخل الجنة ،وكانت له نجاة من النار ،ومن لم يعتقد بها ولم يحققها ولم يعمل بمقتضاها دخل النار ،ومن لازم هذه الكلمة شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم،فإنه من شهد أن لاإله إلا الله ولم يشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر خارج عن ملة الإسلام كاليهود والنصارى عليهم لعائن الله .
فإني أحمد الله عز وجل وأشكره أن وفقني لطلب الشيء اليسير من العلم النافع علم الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح ،وعلى أيدي إخوة أفاضل طلاب علم مستفيدين من أهل السنة والجماعة حفظهم الله تعالى ،
وخير ما ينعم به الإنسان ويوفق إليه في هذه الحياة هو طلب العلم الشرعي ،لأن العلم سعادة في الدنيا والآخرة ،وهو طريق موصل إلى الجنة .وهو من أسباب ثبات الإنسان على الهداية ،لاسيما في زماننا هذا الذي كثرت فيه الفتن والمحن والشرور ، وأصبح الناس صغيرهم وكبيرهم يتنافسون في الدنيا وأطماعها ، وجعلوها أكبر همهم وغاية مرادهم ، وأصبحوا يبتعدون عن الدين شيئا فشيئا ففسدة عقائد كثير منهم والله المستعان ....
نـص الحـديـث مـع الشــــــرح
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى (5489) : حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث عن الحسين عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر حدثه أن أبا الأسود الديلي حدثه أن أبا ذر رضي الله عنه حدثه قال : أتيت النبي صلى الله عليه و سلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم ثم أتيته وقد استيقظ فقال ( ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة ) . قلت وإن زنى وإن سرق ؟ قال ( وإن زنى وإن سرق ) . قلت وإن زنى وإن سرق ؟ قال ( وإن زنى وإن سرق ) . قلت وإن زنى وإن سرق ؟ قال ( وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر ) وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال وإن رغم أنف أبي ذر.
قال أبو عبد الله هذا عند الموت أو قبله إذا تاب وندم وقال لا إله إلا الله غفر له .ورواه مسلم برقم (283)
مررت على أحاديث كثيرة في فضل كلمة التوحيد لا إله إلا الله وكان مما استوقفني هذا الحديث لما فيه من عظيم أجر هذه الكلمة الخفيف على اللسان قولها والثقيل في الميزان أجرها إذ أنها ثمن الجنة لمن قالها بصدق وإخلاص ، وبما أن هذه الكلمة لها هذا الأجر العظيم وأيضا من أجلها بعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وشرع الجهاد ورتبت الأجور ونصبت الموازين أحببت أن أجمع شيئا في بيان فضل هذه الكلمة إضافة لما في هذا الحديث وبيان شروطها وأركانها لتعم الفائدة فأسأل الله التوفيق والسداد ..
فــضـلُ لا إلــه إلا اللــه
الأول: خروج الموحدين من النار :
قال الإمام البخاري رحمه الله :حدثنا مسلم بن إبراهيم ،حدثنا هشام ،حدثنا قتادة عن أنس رضي الله عنه،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير ،و يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير ،و يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير }أخرجه مسلم (193)هذا الفضل فيه رد على الخوارج والمعتزلة والشيعة الذين يقولون أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار وإن كان موحدا وهذا خلاف ما تقتضيه أدلة الكتاب والسنة المصرحة والمبينة بخروج الموحدين من النار ولكنهم اتبعوا أهوائهم وعقولهم الفاسدة وضلوا عن طريق الحق ،واعتقاد أهل السنة والجماعة هو أن الموحدين يخرجون من النار .
الثاني:دخول الجنة :
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{من قال لاإله إلا الله وهو يعلم أنه لاإله إلا الله دخل الجنة } رواه مسلم
الثالث :النجاة من النار :
قال الإمام مسلم رحمه الله (29):حدثنا قتيبة بن سعيد ،حدثنا ليث ،عن ابن عجلان عن محمد بن يحي بن حبان عن ابن محيريز عن الصنابحي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : دخلت عليه وهو في الموت فقال :مهلا لم تبكي ؟فو الله لئن استشهدت لأشهدنّ لك،ولئن شفعت لأشفعن لك ،ولئن استطعت لأنفعنك ،ثم قال :ما من حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم فيه خير إلا حدثتكموه إلا حديثا واحدا وسوف أحدثكموه اليوم ،وقد أحيط بنفسي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :{من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرم الله عليه النار }
الرابع :فضل لا إله إلا الله في الشفاعة :
قال الإمام مسلم رحمه الله (191):حدثني عبيدالله بن سعيد وإسحاق بن منصور كلاهما عن روح قال عبيد الله حدثنا روح بن عبادة القيسي حدثنا ابن جريج قال :أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبدالله يسأل عن الورود فقال ((نَجِىءُ نَحْنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ كَذَا وَكَذَا انْظُرْ أَىْ ذَلِكَ فَوْقَ النَّاسِ - قَالَ - فَتُدْعَى الأُمَمُ بِأَوْثَانِهَا وَمَا كَانَتْ تَعْبُدُ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ ثُمَّ يَأْتِينَا رَبُّنَا بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقُولُ مَنْ تَنْظُرُونَ فَيَقُولُونَ نَنْظُرُ رَبَّنَا. فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَيْكَ. فَيَتَجَلَّى لَهُمْ يَضْحَكُ - قَالَ - فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ وَيَتَّبِعُونَهُ وَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ - مُنَافِقٍ أَوْ مُؤْمِنٍ - نُورًا ثُمَّ يَتَّبِعُونَهُ وَعَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ وَحَسَكٌ تَأْخُذُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يَطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِينَ ثُمَّ يَنْجُو الْمُؤْمِنُونَ فَتَنْجُو أَوَّلُ زُمْرَةٍ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ سَبْعُونَ أَلْفًا لاَ يُحَاسَبُونَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَأَضْوَإِ نَجْمٍ فِى السَّمَاءِ ثُمَّ كَذَلِكَ ثُمَّ تَحِلُّ الشَّفَاعَةُ وَيَشْفَعُونَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِى قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً فَيُجْعَلُونَ بِفِنَاءِ الْجَنَّةِ وَيَجْعَلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَرُشُّونَ عَلَيْهِمُ الْمَاءَ حَتَّى يَنْبُتُوا نَبَاتَ الشَّىْءِ فِى السَّيْلِ وَيَذْهَبُ حُرَاقُهُ ثُمَّ يَسْأَلُ حَتَّى تُجْعَلَ لَهُ الدُّنْيَا وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا مَعَهَا )).
الخامس :تكفير الذنوب والسيئات :
روى الترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وقال :صحيح على شرط مسلم عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم :{ يصاح برجل من أمتي يوم القيامة على رءوس الخلائق فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر ثم يقول الله عز وجل هل تنكر من هذا شيئا فيقول لا يا رب فيقول أظلمتك كتبتي الحافظون ثم يقول ألك عن ذلك حسنة فيهاب الرجل فيقول لا فيقول بلى إن لك عندنا حسنات وإنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله قال فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقول إنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة }
السادس: تكون لك حصنا حصينا من الشيطان ومن السحر والعين والمس :
قال الإمام البخاري رحمه الله (6403) حدثنا عبدالله بن مسلمة ، عن مالك عن سمي ،عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :{ من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب و كتبت له مائة حسنة و محيت عنه مائة سيئة و كانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي و لم يأت أحد بأفضل مما جاء إلا رجل عمل أكثر منه}الحديث رواه مسلم رحمه الله (691)
السابع : فضل لاإله إلا الله عند الميزان :
قال الإمام أحمد بن عمرو بن أبي عاصم في السنة رقم(781):حدثنا عبدالوهاب بن نجرة الحوطي ،حدثنا الوليد بن مسلم ،حدثنا عبدالله بن العلاء وعبدالرحمن بن يزيد بن جابر ،قال حدثنا أبو سلام الأسود ،قال حدثني أبوسلمى راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { بخ بخ ما أثقلهن في الميزان لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر والولد الصالح يتوفى للمرء فيحتسبه}صحيح أخرجه الحاكم في المستدرك رقم(1937) وابن حبان(833)والنسائي في عمل اليوم والليلة رقم (167)وصححه شيخنا رحمه الله في الصحيح المسند(1/297)
الثامن :فضل لاإله إلا الله عند سؤال القبر :
قال الإمام البخاري رحمه الله (1369): حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال
: ( إذا أقعد المؤمن في قبره أتي ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت } ) حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة / بهذا وزاد { يثبت الله الذين آمنوا } نزلت في عذاب القبر ،الحديث أخرجه مسلم رحمه الله (2871).
التاسع :فضل لا إله إلا الله عند الكرب :
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى (7426): حدثنا معلى بن أسد حدثنا وهيب عن سعيد عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول عند الكرب ( لا إله إلا الله العليم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم )
العاشر :فضل لا إله إلا الله في دعاء سيد الإستغفار :
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى (7426): حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا الحسين حدثنا عبد الله بن بريدة حدثني بشير بن كعب العدوي قال حدثني شداد بن أوس رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه و سلم ( سيد الاستغفار أن تقول اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . قال ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة )
وأضاف فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبدالله آل فوزان حفظه الله (ولهذه الكلمة العظيمة فضائل كثيرة ،ذكرجملة منها الحافظ ابن رجب في رسالته المسماة ((كلمة الإخلاص))واستدل لكل فضيلة ،ومنها :أنها ثمن الجنة ،ومن كانت آخر كلامه من الدنيا دخل الجنة ،وهي نجاة من النار ،وهي توجب المغفرة ،وهي أحسن الحسنات ،وهي تمحوا الذنوب والخطايا ،وهي تجدد ما درس من الإيمان في القلب ،وترجح بصحائف الذنوب ،وهي تخرق الحجب حتى تصل إلى الله عز وجل ،وهي الكلمة اللتي يصدق الله قائلها وهي أفضل ما قاله النبيون ،وهي أفضل الذكر ،وهي أفضل الأعمال وأكثرها تضعيفا،وتعدل عتق الرقاب ،وتكون حرزا من الشيطان ،وهي أمان من وحشة القبر وهول الحشر ،وهي شعار المؤمنين إذا قاموا من قبورهم ومن فضائلها أنها تفتح لقائلها أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ومن فضائلها أن أهلها وإن دخلوا النار بتقصيرهم في حقوقها فإنهم لابد أن يخرجوا منها ،وهذه عناوين الفضائل التي ذكرها ابن رجب في رسالته واستدل لكل واحد منها )..
الحادي عشر :اجتماع الكلمة اللتي ينتج عنها حصول القوة للمسلمين والإنتصار على عدوهم لأنهم يدينون بدين واحد وعقيدة واحدة كما قال تعالى :{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}(آآل عمران 103) والإختلاف فيْ العقيدة يسبب التفرق والنزاع كما قال تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (الأنعام :159)
الثاني عشر :توفر الأمن والطمأنينة في المجتمع الموحد الذي يدين بمقتضى لا إله إلا الله لأن كل من أفراد ه يأخذما أحل الله ويترك ما حرَم الله عليه تفاعلا مع عقيدته التي تملي عليه ذلك فيكف عن الإعتداء والظلم والعدوان ويحل محل ذلك التعاون والمحبة والموالاة في الله عملا بقوله تعالى :{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} الْحُجُرَاتِ {10}
الثالث عشر :حصول السيادة والإستخلاف في الأرض وصفاء الدين والثبوت أمام تيارات الأفكار والمبادىء المختلفة كما قال تعالى :{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}النور {55}فربط سبحانه حصول هذه المطالب العالية بعبادته وحده لا شريك له الذي هو معنى ومقتضى لاإله إلا الله .
الرابع عشر :الطمأنينة النفسية والاستقرار الذهني لمن قال لاإله إلا الله وعمل بمقتضاها لأنه يعبد ربا واحدا يعرف مراده ، وما يرضيه فيفعله ،ويعرف ما يسخطه فيجتنبه بخلاف من يعبد آلهة متعددة كل واحد له مراد غير مراد الآخر وله تدبير غير تدبير الآخر كما قال تعالى {أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ{39}يوسف (39)وقال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً }الزمر (29)
الخامس عشر : حصول السمو والرفعة لأهل لاإله إلا الله في الدنيا والآخرة ؛كما قال تعالى { ُحَنفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ{31}الحج(31)فدلت الآية على أن التوحيد علو وارتفاع ،وأن الشرك هبوط وسفول .
السادس عشر :عصمة الدم والمال والعرض لقوله صلى الله عليه وسلم { أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة , فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى " رواه البخاري(25) ومسلم(22) وقوله ((بحقها ))معناه أنهم إذا قالوها وامتنعوا من القيام بحقها وهو أداء ما تقتضيه من التوحيد والإبتعاد عن الشرك والقيام بأركان الإسلام أنهم لا تعصم دمائهم ولا أموالهم بل يقتلون وتؤخذ أموالهم غنيمة للمسلمين كما فعل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده رضي الله عنهم(مأخوذ أقوال أهل العلم من كتاب فتاوى العقيدة للفوزان).
ولن ينال العبد هذه الفضائل إلا بمعرفة هذه الكلمة والعلم بها ولن يكون ذلك إلا بمعرفة شروطها وأركانها ونواقضها والعمل بمقتضى ذلك كله....
شـــروط لا إلــــه إلا الـلـــه
الأول: العلم المنافي للجهل: أي العلم بمعناها نفيا وإثباتا فمن تلفظ بها وهولا يعرف معناها ومقتضاها فإنها لا تنفعه لأنه لم يعتقد ما تدل عليه كالذي يتكلم بلغة لا يفهمها ؛قال الحافظ الحكمي في معارج القبول(2/416) : ((فمعنى لاإله إلا الله :لا معبود بحق إلا الله، قال تعالى :{ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}محمد(19)وقال عليه الصلاة والسلام {من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة }رواه مسلم(26)عن عثمان .
الثاني :اليقين المنافي للشك: وهو كمال العلم بها المنافي للشك والريب ؛قال تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}الحجرات(15)وقال صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة-رضي الله عنه-:{من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لاإله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة}رواه مسلم(31)عن أبي هريرة..
الثالث :القبول المنافي للرد وذلك بالإنقياد لأوامر الله وترك ما نهى الله عنه؛ قال تعالى :{ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ{35} وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ{36}الصافات(35-36)وقال عليه الصلاة والسلام :{ أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة : فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى ] رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر .
الرابع:الإنقياد والإستسلام والإنقياد بأداء حقوقها وهي الأعمال الواجبة إخلاصا لله وطلبا لمرضاته وهذا هو مقتضاها ؛قال تعالى {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ}(الزمر54).وقال تعالى :{ وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} لقمان(22)ومعنى يسلم وجهه ينقاد ،وهو محسن موحد ،والعروة الوثقى هي لا إله إلا الله..
الخامس:الصدق المنافي للكذب ؛قال تعالى { أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ{3}العنكبوت(2-3).وقال صلى الله عليه وسلم :{ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار }رواه الشيخان عن أنس .البخاري(128) مسلم(32)..
السادس:الإخلاص المنافي للرياء والشرك؛فالرياء محبط الأعمال فمهما عظم العمل ودخل فيه الرياء حبط أجر هذاالعمل وقديؤدي صاحبه إلى الشرك كماوصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالشرك الأصغر،قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلالِيَعْبُدُوااللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء}(البينة5) وقال صلى الله عليه وسلم:{أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لاإله إلاالله خالصا من قلبه أو نفسه}رواه البخاري عن أبي هريرة وقال صلى الله عليه وسلم:{ فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله} رواه البخاري(415) ومسلم (1528)
السابع:المحبة المنافية للبغض :أي المحبة لهذه الكلمة ولما دلت عليه والسرور بذلك بخلاف ما عليه المنافقون ،قال تعالى:{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ }البقرة(165) و عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار ) رواه البخاري(16)ومسلم(175)..
الثامن :الكفر بالطواغيت ،وهي المعبودات من دون الله ويكون بإنكارها ونبذها وتبيانها للناس وتوظيح عظم شرها وخطرها وتغييرها إذا قدر على ذلك ؛قال تعالى :{ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا}البقرة(256) وقال صلى الله عليه وسلم :{من قال لاإله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه }رواه مسلم (23)عن طارق بن أشيم...
وقد جمعت هذه الشروط الثمانية في هذين البيتين :
علم يقين وإخلاص وصدقك مع محبة و انقياد و القبول لها
وزيد ثامنها الكفران منك بما سوى الإله من الأشياء قد ألها
أركـــان لا إلــه إلا اللــــه
لها ركنان :الأول النفي ، والثاني: الإثبات ؛والمراد بالنفي : نفي الإلهية عن ما سوى الله تعالى من سائر المخلوقات وذلك بقولك : (( لا إله))،والمراد بالإثبات :إثبات الإلهية لله سبحانه وتعالى فهو الإله الحق وما سواه من الآلهة اللتي اتخذها المشركون فكلها باطلة وذلك بقولك ((إلا الله ))،قال تعالى:{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}الحج(62)..
نــواقــض لا إلــــه إلا اللــه
الناقض الأول: الردة عن دين الإسلام وذلك كمن يسلم أو ولد في الإسلام ثم بعد ذلك رجع إلى النصرانية أو اليهودية أو المجوسية أو الشيوعية أو البعثية أو العلمانية أو غير ذلك فهذا كافر بالله العظيم ..
الناقض الثاني :من لم يكفر الكافر الذي اتضح كفره بالقرآن والسنة كاليهود والنصارى والمجوس والشيوعيين والبعثيين والبوذيين والماركسيين والإشتراكيين والإلحاديين وغيرهم ممن قد تبين كفرهم أو شك في كفرهم فهو كافر بالله عز وجل وإن قال لا إله إلا الله..
الناقض الثالث : من اعتقد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه وأحسن أو أن حكم غيره أفضل من حكمه أو أن دين النصارى واليهود أفضل من دين الإسلام فهذا كافر بالله عز وجل وإن قال لا إله إلا الله..
الناقض الرابع :من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أو كرهه سواء كان من الأقوال أو الأفعال أو الإعتقاد أو غير ذلك فهذا أيضا كافر بالله العظيم وإن قال لا إله إلا الله وصلى وصام ..
الناقض الخامس:الإستهزاء بالدين أو بشيء منه، أو بالرسول صلى الله عليه وسلم أو بمن هو متمسك بالدين لأجل تمسكه به فمن استهزأ بشيء من ذلك فقد كفر بالله العظيم وإن كان يقول لا إله إلا الله ويدع الإسلام،والمستهزؤون في هذا الزمان كثير أخزاهم الله.
الناقض السادس : السحر فمن تعلم السحر ، أو رضي به ، أو عمل به فهو كافر بالله عز وجل مباح الدم ،وكذلك من شجع وأعان على تعلم السحر فإن هذا أيضا كافر بالله عز وجل ..
الناقض السابع : مناصرة الكافرين والمشركين ومعاونتهم على المسلمين ، فمن ناصرهم وأعانهم على المسلمين فهذا كافر بالله عز وجل وإن كان يدع الإسلام ..
الناقض الثامن : من اعتقد أنه يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم إلى غيرها فقد كفر بالله سبحانه ، أو من اعتقد أنه ، حر في دينه فله أن يدخل في الإسلام وله أن يدخل في النصرانية أو أن يدخل في اليهودية أو المجوسية ولا حرج في ذلك..
الناقض التاسع : الإعراض عن دين الله عز وجل بالكلية لا يتعلمه ولا يعمل به اطلاقا ولا يلتفت إليه وليس له هم إلا الدنيا وحطامها فهو يعظمها ويوقرها ، منشغل بها ليل نهار ، فمن كان هذا وصفه فهو كافر بالله عز وجل ..
الناقض العاشر :إنكار آية من القرآن أو أقل أو أكثر فمن أنكر آية واحدة أو حتى حرفا واحدا فهو كافر بالله العظيم ..
الناقض الحادي عشر : إنكار وجحد ركن من أركا ن الإسلام أو الإيمان فمن أنكر ركنا واحدا منها فهو كافر بالله عز وجل..
الناقض الثاني عشر : تحريم ما أحل الله و تحليل ما حرم الله كمن يحلل الزنا أو الخمر أو لحم الخنزير أو غير ذلك ، وكمن يحرم الزواج بأكثر من واحدة أو يحرم أكل اللحوم والخضار والفواكه وغير ذلك ..
الناقض الثالث عشر: الحكم بغير ما أنزل الله فمن حكم بغير ما أنزل الله واعتقد أن ذلك جائز له أو أن حكم غير الله أحسن من حكم الله ورسوله أو أنه لا يصلح في هذا العصر إلاالحكم بالقوانين الوضعية والديمقراطية الخبيثة فهذا كافر خارج من ملة الإسلام وإن قال انه مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وكذلك إن اعتقد أن الحكم بغير ما أنزل الله و الحكم بما انزل الله متساويان لا فرق بينهما ..
الناقض الرابع عشر : سب الرب عز وجل أو سب النبي صلى الله عليه وسلم أو سب دين الإسلام ، فمن سب الرب سبحانه أو سب النبي صلى الله عليه وسلم ،أو سب دين الإسلام فهو كافر خارج عن ملة الإسلام ..
الناقض الخامس عشر : ادعاء شيء من خصوصيات الرب عز وجل ؛ كعلم الغيب والخلق والإحياء والإماتة ، وتدبير الكون وإنزال المطر وتصريف الرياح وغير ذلك مما هو خاص بالله عز وجل ، فمن قال أنه يعلم الغيب أو يخلق أو يحيي أو يميت,يقبض ويبسط ويدبر الكون وينزل المطر،فهو كافر بالله عز وجل وإن قال لا إله إلا الله ، أو اعتقد أن غيره من المخلوقين يستطيع أن يفعل ذلك فهذا أيضا كافر ..
الناقض السادس عشر : سب الملائكة أو واحد منهم وتنقصهم واتهامهم بالقبائح ورميهم بها ، فمن سب الملائكة كلهم أو بعضهم أو تنقصهم واتهمهم فهذا أيضا كافر بالله العظيم ..
الناقض السابع عشر : الشك في أمر معلوم من الدين بالضرورة كمن يشك في وجوب الصلاة أو الزكاة أو الحج أو يشك في وجود الملائكة أو الجن أو غير ذلك ..
الناقض الثامن عشر : هذا الناقض من أعظم النواقض وقوعا فيه كثير من الناس ،وكان الأولى أن أذكره في أولها ولكني جعلته آخرها لما فيه من كثرة الفروع التي يجب تفصيلها للحذر منها (( عرفت الشر لا للشر ولكن لأتقيه )) وقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : (( كان الصحابة يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الخير وأسأله عن الشر مخافة أن يدركني )) أتدري ما هو ؟؟؛ إنه الشرك بالله عز وجل ، والمراد بالشرك هنا الشرك الأكبر المخرج من الملة وذلك كمن يذبح لغير الله من قبور وأضرحة وجن وشياطين وسحرة ومشعوذين ، وكمن يستغيث بالأموات ويدعوهم ويرجوهم ،وكمن يطوف حول القبور ويسجد لها ويدعوها من دون الله ، وإليكم هذا التفصيل الآتي :
حـقـيـقـة الـتـوحـيـد وحـقـيــقـة الـشـــرك
- حقيقة الشرك :
وهو صرف أي نوع من أنواع العبادة مثل الدعاء والخوف والرجاء والرغبة والرهبة والخشوع والخشية والإنابة والإستعانة والإستغاثة والإستعاذة والذبح والنذر والتعظيم وغيرها من أنواع العبادة التي أمر الله بها فمن صرف منها شيئا لغير الله أو أشرك معه أحدا فيها فقد أشرك بالله والله يقول :{ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً{48}(النساء48) وروى مسلم في صحيحة ( 7666 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى :{أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه }..
- حقيقة التوحيد :
أي توحيد الله في العبادة وهو الذي خالف فيه المشركون وقاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم عليه وقد كانوا مقرين أن الله هو ربهم وخالقهم ورازقهم ومالكهم فإنه خالق الكون سبحانه وتعالى ، لكنهم أشركوا معه في العبادة الأصنام والأحجار والأشجار وغيرها من الأوثان فصرفوا لها التعظيم والتأليه وذبحوا لها وقربوا لها القرابين والنذور وتقربوا لها بالدعاء والرجاء والخوف والمحبة وغيرها من العبادات فهذا هو الشرك الذي حذرنا منه سبحانه وتعالى وليس ان فاعله لا يدخل الجنة أبدا إلا أن يتوب منه قبل موته ؛ قال الله تعالى : { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً{48}(النساء48) وجاء من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال:قال النبي صلى الله عليه و سلم كلمة وقلت أخرى قال النبي صلى الله عليه و سلم ( من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار ) . وقلت أنا من مات وهو لا يدعو لله ندا دخل الجنة ،رواه البخاري رقم ( 4227 ) ومسلم رقم ( 228 ) ..
بعض مظاهر ووسائل الشرك التي جاء الشرع بالنهي عنها والتحذير منها :
وهي أعمالا تنافي التوحيد وكونها ناقضة لكلمة التوحيد لا إله إلا الله ، فمن هذه الأعمال ((لبس الحلقة والخيط ))ونحوها بقصد رفع البلاء أو دفعه وهي من حيث الحكم نوعان :-
1. من اعتقد أن هذه الحلق والخيوط ترفع البلاء أو تدفعه بنفسها فهذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفر الله لفاعله إلا بتوبة منه قبل الموت ..
2. إن اعتقد أن الذي يرفع البلاء أو يدفعه هو الله تعالى لكنه جعل هذه الحلق والخيوط سببا فهذا شرك أصغر وفاعله على خطر كبير إن لم يتب منه ..
- تعليق التمائم :وهي فرزات كانت العرب تعلقها على دوابها وعلى أبنائها يتقون بها العين ويلمحون باسمها أن يتم الله لهم مقصودهم فهي من الشرك وهي على ثلاثة أنواع :
1. إن علق ولم يعتقد ولم يستعرض هذه المعاني أو علقها في السيارة للزينة أو في البيت للجمال ونحو ذلك فإنه محرم لمشابهة من يشرك الشرك الأصغر ..
2. إن اعتقد في تعليق التمائم الدفع والرفع وأنها سبب فهذا شرك أصغر ..
3. وإذا اعتقد أنها ترفع البلاء وتدفعه بنفسها فهذا شرك أكبر ..
-التبرك بقبور الصالحين وبالأحجار والآثار والأشجار :
معنى التبرك :هو طلب البركة ورجائها واعتقادها بتلك الأشياء وهو فعل المشركين مع أوثانهم كاللات والعزى ، وهو نوعان:
1. إن اعتقد أنها تجلب البركة بنفسها فهذا شرك أكبر ..
2. إن جعلها واسطة بينه وبين الله عز وجل فهذا شرك أصغر ..
_ الذبح لغير الله : والذبح من أفضل العبادات وأجل القربات فلا يجوز صرفه لغير الله ؛ قال عز وجل :{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{162} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{163}(الأنعام 162-163) فبما أن الصلاة عبادة لله وحده فكذلك النسك وهو الذبح عبادة لله وحده لا شريك له ،أما حالة المذبوح في هذه الحالة إذا ذبح دفعا للضر وجلب المنفعة دون الله عز وجل فهذا هو الشر ك الأكبر بعينه ...
-الإستغاثة بالأموات ودعائهم وطلب المدد منهم والتقرب إليهم بأي نوع من أنواع العبادات :
وذلك شرك أكبر ناقل عن الملة ، لقوله تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{5}(الفاتحة 5) وهذه الآية تفيد اختصاص الله عز وجل في العبادة ومن أنواع العبادة الدعاء بل هو العبادة كما ثبت في السنن وغيرها من حديث النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{الدعاء هو العبادة }قال الألباني في الجامع الصغير وزيادته عند حديث رقم(5719)، صحيح ،أما حكم الذين يدعون أمام القبور ويستغيثون ويذبحون فعلى نوعين :
1. الذين يد عون الله عز وجل عند القبور ما يدعون صاحب القبر فهؤلاء ليسوا مشركين لأنهم يدعون الله لكنهم مبتدعون حيث ضنوا أن الدعاء عند القبور له مزية لكن لا يكفروا ..
2. وأما الذين يستغيثون بالأموات فيقولون يا ولي الله وما أشبه ذلك أغثني أو ارزقني أو اعطني فهؤلاء مشركون شركا أكبر ينطبق عليهم قول الله عز وجل:{إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } (المائدة72)
طلب الشفاعة وسؤالها من الموتى : وهي من أفعال المشركين في الجاهلية حيث كانوا يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفا ويقولون هؤلاء شفعائنا عند الله فجاء الإسلام بإبطال هذا العمل ورد هذه العقيدة الباطلة ؛ قال تعالى :{ وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى{26}النجم (26)وقال عز وجل :{ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ{22} وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ{23}سبأ(22-23)
الغلو في إطراء النبي صلى الله عليه وسلم ووصفه بشيء من خصائص الإلهية : قال تعالى :{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} النساء(171) فكل تقصير في حق النبي صلى الله عليه وسلم يعد جفاء ، وكل زيادة فيه تعد غلوا ..
الحلف بغير الله : فمن حلف بالمخلوقين من الأنبياء والأولياء بقصد تعظيمهم فهذا شرك أكبر ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :{من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك }رواه الترمذي وصححه وحسنه الحاكم ، أما إن جرى في لسانه دون قصد الحلف به فهذا شرك لفظي أي شرك أصغر وكفارة ذلك قوله ((لا إله إلا الله ))ثم يعزم على عدم العودة إلى ذلك ..
مـتى يـنفـع الإنســان قول لا إلـه إلا اللـه ومـتى لا يـنفـعه ذلك ؟
رد الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله بقوله :
[ سبق أن قلنا أن قول لا إله إلا الله لابد أن يكو مصحوبا بمعرفة معناها والعمل بمقتضاها ، ولكن لما كان هناك نصوص قد يتوهم منها أن مجرد التلفظ بها يكفي ،وقد تعلق بهذا الوهم بعض الناس وما قاله شيخ الإسلام بن تيمية – رحمه الله – وحينئذ فلا منافية بين الأحاديث فإنه إذا قالها بإخلاص ويقين تام لم يكن في هذه الحال مصرا على ذنب أصلا ، فإن كمال إخلاصه ويقينه يوجب أن يكون الله أحب إليه من كل شيء ، فإن لا يبقى في قلبه إرادة لما حرم الله ولا كراهية لما أمر الله ، وهذا هو الذي يحرم على النار وإن كانت له ذنوب قبل ذلك فإن هذا الإيمان وهذه التوبة وهذا الإخلاص وهذه المحبة وهذا اليقين لاتترك له ذنبا إلا يمحى كما يمحى الليل بالنهار وما قاله الحافظ بن رجب – رحمه الله – وقال الحافظ بن رجب في رسالته المسماة ((كلمة الإخلاص)) على قوله صلى الله عليه وسلم :{أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله } - وقد تقدم ص4 - قال : [ففهم عمر وجماعة من الصحابة أن من أتى بالشهادتين امتنع من عقوبة الدنيا بمجرد ذلك ، فتوقفوا في قتال مانعي الزكاة وفهم الصديق أنه لا يمنع قتاله إلا بأداء حقوقها لقوله صلى الله عليه وسلم:{فإن فعلوا ذلك منعوا مني دمائهم إلا بحقها وحسابهم على الله} وقال :{الزكاة حق المال }وهذا الذي قد فهمه الصديق قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحا غير واحد من الصحابة منهم ابن عمرو وأنس و غيرهما وأنه قال :{ أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة}وقد دل على ذلك قوله تعالى :{ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ}(التوبة 5) كما دل قوله تعالى:
{ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}(التوبة 11) على أن الأخوة في الدين لا تثبت إلا بأداء الفرائض مع التوحيد فإن التوبة من الشرك لا تحصل إلا بالتوحيد فلما قدر أبو بكر هذه للصحابة رجعوا إلى قوله ورأوه صوابا فإذا علم أن عقوبة الدنيا لا ترتفع عن من أدى الشهادتين مطلقا ، بل يعاقب بإخلاله بحق من حقوق الإسلام فكذلك عقوبة الآخرة ، وقال أيضا : وقالت طائفة من العلماء المراد من هذه الأحاديث أن التلفظ بلا إله إلا الله سبب لدخول الجنة والنجاة من النار ومقتضٍ لذلك ..
وختاما نسأل الله أن يوفقنا للقيام بحقه سبحانه وإخلاص العبادة له وحده لا شريك له وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
0 komentar:
Posting Komentar
Wa Tawaashou Bil Haqqi Wa Tawaashou Bisshobri !