METODOLOGI STUDI ISLAM (MENURUT PAKAR DAKWAH ISLAM) منهج التلقي والاستدلال عند أئمة الدعوة

27 Februari 2015 Label: ,
METODOLOGI STUDI ISLAM
(MENURUT PAKAR DAKWAH ISLAM)
منهج التلقي والاستدلال عند أئمة الدعوة

المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإنه في القرن الثاني عشر من هجرة النبي – صلى الله عليه وسلم – في العام الخامس عشر بعد المائة والألف، وُلد الإمام الرباني شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي، من آل مشرف، من بني تميم، فطلب العلم، ورحل فيه إلى الأقطار، والتقى بالعلماء، وأخذ عنهم ودارسهم، وتفنن في علومه ومعارفه، حتى أضحى علما من علماء الأمة، ورزقه الله – عز وجل – مع هذا العلم بصيرة نافذة، وورعا وزهدا، وخشية وإخباتا وصبرا واحتسابا، فقام يدعو إلى الله – تعالى – على بصيرة، اتباعا لتوجيه الله – تعالى – لنبيه – صلى الله عليه وسلم – في قوله ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: 108].
فدعا بلسانه، وكتب ببنانه الرسائل والمؤلفات، إلى الشرق والغرب، والقريب والبعيد، وعقد مجالس العلم، ودعا الناس إلى اتباع الكتاب والسنة، ولزوم منهج السلف الصالح، الذين هم خير القرون، من الصحابة والتابعين وأتباعهم، ومن تبعهم بإحسان، من علماء هذه الأمة وأئمتها.

الدعوة قائمة على العلم الصحيح
وكانت دعوته قائمة على العلم الصحيح، كتاب الله – تعالى – وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – وإجماع سلف هذه الأمة، تعلما وتعليما، ودعوة وعملا، عقيدة وشريعة، وسلوكا ومنهجا، تأصيلا واستنباطا واستدلالا، لذا جاءت دعوته موافقة لمذهب أهل السنة والجماعة، الذي كان عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه والتابعون لهم بإحسان، من أئمة الهدى والدين.
ومؤلفاته ورسائله وسيرته شاهدة بأنه إمام هدى يقتدى به، وطالب للحق وناصر له، معظّم لله ولكتابه ولرسوله – صلى الله عليه وسلم – وسنته، متجرد عن الهوى والعصبية والتبعية، إلا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – وفي هذا يقول – رحمه الله -: فأنا – والحمد لله – لم آت الذي أتيت بجهالة، وأُشهد الله وملائكته إن أتاني منه – يعني بعض المردود عليهم – كلمة من حق، لأقبلنها على الرأس والعين، وأترك قول كل إمام اقتديت به، حاشا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فإنه لا يفارق الحق.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب: فشرح الله صدر شيخنا، فضلا من الله ونعمة عظيمة، منّ بها – تعالى – في آخر هذا الزمان، فعرف من الحق ما عرف شيخ الإسلام ابن تيمية وأصحابه، بتدبره الآيات المحكمات، وصحيحي البخاري ومسلم، والسنن والمسانيد والآثار، ومعرفة ما كان عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والتابعون وأتباعهم من سلف الأمة وأئمتها، من أهل الحديث والتفسير، والفقهاء، كالأئمة الأربعة، ومن أخذ عنهم، فتبين له التوحيد وما ينافيه، والسنة وما يناقضها.
وقت ظهور الإمام محمد بن عبد الوهاب
وقد نهض الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – بهذه الدعوة في عصر كثرت فيه البدع والمحدثات والخرافات والشركيات، حتى باتت السنة في بعض الجهات بدعة، والبدعة سنة، والتوحيد شركا، والشرك توحيدا، والمنكر معروفا، والمعروف منكرا، بل منهم من أتى ما ينافي العقول الصحيحة، والفطر السليمة، فضلا عن منافاته للشرع المطهر، والقائم بدين الله – تعالى – قليل، وصحب ذلك فوضى سياسية واجتماعية وأمنية، وسنة الله – تعالى – الماضية أن فساد دين الناس له أثر في معايشهم كما قال – جل وعلا – ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41]، وصلاح الناس في دينهم له أثر في دنياهم، كما قال الله – تعالى – ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [النور: 55].
وهذا الواقع يتلخص في أن كثيرا من الناس – وفيهم بعض من ينتسب إلى العلم – يجمعهم ثلاثة أوصاف: التصوف في السلوك، والانحراف في الاعتقاد، والتعصب المذهبي في الأحكام.
وهذا الوضع يصفه لنا الإمام محمد بن أحمد السفاريني، علامة الشام، المتوفى سنة ألف ومائة وثمانية وثمانين، وهو معاصر للشيخ محمد بن عبد الوهاب، إذ يقول: فما بالك بعصرنا هذا الذي نحن فيه، وقد انطمست معالم الدين، وانطفأت، إلا من بقايا حفظة الدين، فصارت السنة بدعة، والبدعة شرعة، والعبادة عادة.
وقال: ولم يبق من آثار هذا البيان إلا حكايات تتزين بها الدروس، ككان وكان، والعلم قد أفَلَت شموسه، وتقوضت محافله ودروسه، وربعه المأهول أمسى خاليا، وواديه المأنوس أضحى موحشا داويا.
وهذا يتفق مع ما ذكره الشيخ المؤرخ، حسين بن غنام، في تاريخه حين قال: كان أكثر الناس في مطلع القرن الثاني عشر الهجري قد ارتكسوا في الشرك، وارتدوا إلى الجاهلية، وانطفأ في نفوسهم نور الهدى، لغلبة الجهل عليهم، واستعلاء ذوي الأهواء والضلال، فنبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، واتبعوا ما وجدوا عليه آباءهم من الضلالة، وقد ظنوا أن آباءهم أدرى بالحق، وأعلم بطريق الصواب، فعدلوا إلى عبادة الأولياء والصالحين، أمواتهم وأحيائهم، يستغيثون بهم في النوازل والحوادث، ويستعينون بهم على قضاء الحاجات، وتفريج الشدائد، بل إن كثيرا منهم كان يرى في الجمادات – كالأحجار والأشجار – القدرة على تقديم النفع، ودفع الضر، وظلوا يعكفون على أوثانهم حتى صدق فيهم قوله – تعالى – ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [الحشر: 19]، وأحدثوا من الكفر والفجور، والشرك بعبادة أهل القبور، وصرف النذور إليهم، والابتهال بالدعاء لهم، ما زادوا به على أهل الجاهلية.
وفي ظل هذه الأجواء الدينية والعلمية القاتمة، هدى الله الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – لما آتاه الله من ميراث النبوة العلم النافع، والعمل الصالح، وما منّ به عليه من نفاذ في البصيرة، فأدرك غربة الإسلام، وما عليه كثير من الناس من الخطإ والضلال، بسبب الجهل، وغلبة الهوى، ولبس الحق بالباطل، وقلة القائم بأمر الله، فاستن بسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – فدعا إلى الله، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، ونصح لله ولكتابه ولرسوله – صلى الله عليه وسلم – ولأئمة المسلمين وعامتهم، ودعا إلى الاجتماع، وحذر من التفرق والاختلاف، وأحيى السنن، وأنكر البدع، ونهى عن الغلو.
وهذه الحال التي كان عليها بينها الشيخ الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن بقوله – في وصف الإمام محمد بن عبد الوهاب ودعوته -: ولا يرى ما ابتدعه الصوفية من البدع والطرائق المخالفة لهدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسنته في طقوسهم في العبادات والخلوات، والأذكار المخالفة للمشروع، ولا يرى ترك السنن والأخبار النبوية لرأي فقيه، ومذهب عالم خالف ذلك باجتهاده، بل السنة أجلّ في صدره، وأعظم عنده من أن تترك لقول أحد، كائنا من كان، قال عمر بن عبد العزيز – رحمه الله -: لا رأي لأحد مع سنة سنها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولا يرى إيجاب ما قاله المجتهد إلا بدليل، تقوم به الحجة من الكتاب والسنة، خلافا لغلاة المقلدة، وقد لقيت هذه الدعوة بفضل الله – تعالى – قبولا وإقبالا من العلماء والأمراء، وعامة الناس، وذلك عائد – بتوفيق الله تعالى – إلى ثلاثة أمور:
أسباب قبول العلماء والأمراء، وعامة الناس على هذه الدعوة
أحدها: أنها دعوة على منهاج النبوة، فشعارها ودثارها الإسلام الخالص في العقيدة والشريعة والمنهج والسلوك.
والثاني: أن انتماءها انتماء شرعي، لقيامها على الأصول الشرعية، ولكونها امتدادا لدعوة الإسلام الخالص، فليست دعوة حزبية، ولا عصبية، ولا قُطرية، ولا جنسية ولا قومية، بل هي دعوة إسلامية سنية سلفية صرفة، تدعو إلى ما دعا إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه، وأئمة الهدى والدين، ممن سلك سبيلهم، واقتفى أثرهم.
والثالث: موافقة وسائلها وأساليبها للشريعة المطهرة، ولهذا كثر ثناء أهل العلم من بلاد مصر والشام واليمن والعراق والشرق والغرب، على الإمام محمد بن عبد الوهاب ودعوته، لما وقفوا على حقيقتها، واطلعوا على رسائل الإمام ومؤلفاته، وما بلغهم عنه بالخبر الصادق.
ثناء الشوكاني على الدعوة
نذكر طرفا من ذلك، فمن ذلك ما ذكره علامة اليمن، محمد بن علي الشوكاني، في كتابه “البدر الطالع”، فقد ذكر أنه اطلع على رسائل للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وقال: وهي رسائل جيدة، مشحونة بأدلة الكتاب والسنة.
ثم ذكر أنه اطلع على أجوبة للإمام عن أسئلة لجماعة من فقهاء صنعاء وصعدة، ذاكروها في مسائل متعلقة بأصول الدين، بجماعة من الصحابة، وقال: فأجاب عليهم جوابات محررة مقررة محققة، تدل على أن المجيب من العلماء المحققين، العارفين بالكتاب والسنة، وقد هدم عليهم جميع ما بنوه، وأبطل جميع ما دونوه.
ثناء صديق خان على الدعوة
وقال الشيخ المحقق، صديق خان القنوجي الهندي، في “هداية السائل إلى أدلة المسائل”: كان محمد بن عبد الوهاب عالما متبعا للسنة، يغلب عليه اتباع السنة المطهرة.
وقال أيضا – في وصف رسالة ألفها الشيخ عبد الله بن الإمام محمد بن عبد الوهاب -: وهذه الرسالة تشهد على أن ما نسبه الناس إلى الشيخ عبد الله ووالده من الأكاذيب والافتراءات، أثاروا بها ضجة عليهم، فهم بريئون منها البتة، لأن منهجهم هو منهج المحدثين والسلف الصالح.
وقال أيضا: فإن دعوته هي الدعوة إلى اتباع النبي – صلى الله عليه وسلم – لا مخالفته، ومنهجه يوافق منهج السلف الصالح، لا المبتدعة، كما لا يخفى ذلك على من كان له معرفة صحيحة بأحواله.
ثناء محمود فهمي المصري على الدعوة
وقال الشيخ المؤرخ، محمود فهمي المصري، في كتابه “البحر الزاخر”: كان الوهابيون – في عقيدتهم ومذهبهم – على طريقة أهل السنة والجماعة، والأساس الأصلي لدينهم، هو توحيد الله – سبحانه وتعالى – لا يشركون به شيئا، ويعتقدون أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أدى ما يجب عليه من إبلاغ الرسالة الإلهية، ورفضوا جميع تفاسير القرآن الخرافية المكذوبة، وقرروا أحاديث أهل السنة والجماعة.
ثناء العلامة محمد المكي بن عزوز التونسي على الدعوة
قال العلامة محمد المكي بن عزوز التونسي: وقد كنت طالعت الرسائل المؤلفة من محمد بن عبد الوهاب وأصحابه، ورأيت ما كتبه الجبرتي في تاريخه من عقائدهم وسيرتهم، فما هي إلا طريق السنة، ليس فيها ما ينكر.
وقد ذكر – رحمه الله – أنه لما سأل العلامة، الشيخ عبد الرزاق البيطار، عن الوهابية، أفاد بأنهم سائرون على منهاج الكتاب والسنة، وعقيدة السلف.
فهذا طرف من أقوال أهل العلم في هذه الدعوة المباركة، ولزوم أئمتها المنهج الذي كان عليه السلف الصالح القائم، القائم على الوحيين، والمسطر نظما ونثرا كثير، يضيق المقام عن استقصائه وذكره، ومن اطلع على مصنفات أئمة الدعوة ورسائلهم – بتجرد – علم أنهم على هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – قولا وعملا واعتقادا، بل إنه لظهور تمسكهم بالسنة، والعمل بها، صار كثير من الناس في بعض الأقطار يطلق على المتمسك بالسنة بأنه وهابي.
قال الشيخ محمد المكي بن عزوز التونسي: واعلموا أن من البلايا المتسلطة على الدين، وإبمان المسلمين، أنه صار الذي يصدع بالحديث النبوي الصحيح، مقدما له على عصارة المتفقهين، يقال له: أنت وهابي. وقد سمعت كثيرا من الناس يقولون: من يتبع الحديث فهو وهابي، ومن يعتقد عقيدة السلف فهو وهابي. قلت لهم: أنا لا أعرف الوهابية، وكلامكم يدل على أنهم سنيون صرفا، فقد مدحتموهم مدحا صرفا، من حيث قدحتم فيهم.
منهج الإمام محمد بن عبد الوهاب من كلامه
ما تقدم نقله مقرر في مؤلفات أئمة الدعوة ورسائلهم، ومن ذلك ما قاله الإمام المجدد، محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – في كتابه “تبرأة الإمامين الشيخين”: ولست – ولله الحمد – أدعو إلى مذهب صوفي، أو فقيه، أو متكلم، أو إمام من الأئمة، الذين أُعَظّمهم – مثل ابن القيم، أو الذهبي، أو ابن كثير، أو غيرهم – بل أدعو إلى الله، وحده لا شريك له، وإلى سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – التي وصى بها أول أمته وآخرها.
تعليق الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن، في “منهاج التأسيس”: وقد قرر – رحمه الله - على شهادة أن محمدا رسول الله من بيان ما تسلزمه هذه الشهادة وتستدعيه من وتقتضيه، من تجريد المتابعة والقيام بالحقوق النبوية، من الحب والتوقير والنصرة والمتابعة والطاعة، وتقديم سنته على كل سنة وقول، والوقوف معها حيث وقفت، والانتهاء حيث انتهت، في أصول الدين وفروعه، باطنه وظاهره، خفيّه وجليّه، كليّه وجزئيه، ما ظهر به فضله، وتأكد علمه ونبله.
إن الإمام المجدد، شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى – وأسكنه الفردوس الأعلى من جنته، تعلّم وعلّم، ودعا إلى الله، وصبر وغرس نبتا طيبا من أهل العلم، الذين خلفوه في الدعوة إلى الله، على منهاج النبوة، من أبنائه وأحفاده، ومَن طلب العلم على يديه، ومن جاء بعدهم، كأبنائه حسين وعبد الله وعلي وإبراهيم، وكأحفاده عبد الرحمن بن حسن وسليمان بن عبد الله، وأبناء أحفاده كالشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن، وعبد الله بن عبد اللطيف، وإسحاق بن عبد الرحمن، ومحمد بن عبد اللطيف، وغيرهم من أبنائه وأحفاده – رحمهم الله – وكذلك غيرهم من أئمة هذه الدعوة، كالشيخ حمد بن معمر، وابنه عبد العزيز، والشيخ عبد الله أبا بطين، والشيخ حمد بن عتيق وابنه سعد، والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري وتلميذه ابن حمدان، والشيخ حمد بن عبد العزيز العوسجي، ومشايخ آل سليم، والشيخ القرعاوي، والشيخ حمود التويجري، والشيخ حافظ حكمي، والشيخ ابن باز، والشيخ ابن حميد والخريصي، جماعة من أهل العلم، وأئمة هذه الدعوة، الذين حملوا لواء الإسلام والسنة، ونصروا الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – ومن سار على نهجهم ممن جاء بعدهم من الأحياء من علمائنا.
نسأل الله – جل وعلا – أن يرحم الأموات، وأن يوفق الأحياء، لما يحبه ويرضاه.
وقد كان لهذه الدعوة السنية آثار مباركة، في الدين والدنيا، فلا نزال في هذه البلاد، بل لا يزال المسلمون في العالم، يتفيئون ظلالها، وينهلون من معينها، ويوقنون بفضلها فنسأل الله – تعالى – الثبات على الإسلام.
إنما كانت هذه الدعوة النجدية دعوة سنية سلفية، لأنها قامت على أصول أهل السنة والجماعة، واتبعت منهجهم، حذو القُذّة بالقذة، في الأصول والفروع، والتأصيل والتطبيق، ومسائل الإجماع والاجتهاد، ولهذا لم تؤثر عنهم مسألة واحدة خرجوا بها عن هذا المنهج، ولم يثبت عنهم تناقض ولا تحريف، بل العلم والصدق والأمانة فيما أصلوا وقرروا، وأجابوا وردوا، وحكموا وأفتوا، رحمهم الله وسائر علماء المسلمين.
المصادر التي تعتمد عليها هذه الدعوة
ولقد كانت مصادرهم التي يصدرون عنها، وأدلتهم التي يستدلون بها، هي الأدلة الأربعة الشهيرة المعتبرة عند أهل العلم، وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح، المستوفي أركانه، السالم من معارضة النص، ويظهر الاعتماد على هذه الأدلة في أمور ثلاثة:
أحدها: ما ذكره أئمة الدعوة – رحمهم الله – على جهة التقعيد والتأصيل للأدلة المعتمد عليها.
والثاني: سياق هذه الأدلة في مقام الاحتجاج بها عند البحث في آحاد المسائل العلمية، أو العملية.
والثالث: رد ما تعارض مع هذه النصوص، من رأي، أو دليل عقلي، أو استحسان، أو ونحوها، وإليك شيئا مما يوضح هذا، ويكشف عنه، مع الإحالة إلى مؤلفات أئمة الدعوة ورسائلهم – وهي كثيرة جدا – ليرى المؤمن بأم عينه التطبيق العملي على ما تقدم ذكره، فإنك لا تكاد تقف على مسألة يذكرونها، إلا وهي مقرونة بدليلها، بل ربما يستدلون على المسألة الواحدة بعشرات الأدلة، ويحيلون القارئ إلى نظائرها، وهذا يبين لك أيها المؤمن الكريم، الفرق الكبير بين هذه الدعوة، وبين كثير من الدعوات التي تزعم أنها إصلاحية، وتزعم أنها تريد رد المسلمين إلى الأمر الأول، الذي كان عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه الكرام والتابعون لهم – رضوان الله عليهم أجمعين -.
إذا قرأتَ مؤلفات هذه الدعوات والجماعات، فإنك تجد الغالب عليها حكايات وقصصا، وحديثا عن النفس، وما يزعمون من مغامرات وبطولات وجدالات عميقة، أو تحليلات وظنون لا تنفع أهلها بشيء، أما العلم النافع، فنذر يسير، بل ترى فيها من النصوص ما يحرفونه، أو يردونه بعقولهم، أو بما جلبوه من الأمم الكافرة، والفرق المنحرفة البائدة، وحاولوا إلباسه لباس الشرع، جهلا أو هوى، ولهذا لم تقم لهم دولة، ولم يستقم لهم منهج، بل أهم المهمات، وأعظم الواجبات، وهو توحيد الله – تعالى – وإفراده بالوحدانية، وتنزيهه بصفات الكمال، التي أثبتها لنفسه، أو أثبتها له رسوله – صلى الله عليه وسلم – ليس له ذكر في هذه المؤلفات، ولا دعوة إليها في واقعهم، خاصة وأن كثيرا من البلدان التي يقطنونها، وتقوم دعواتهم فيها، تشتكي من فشو الشرك، ففيها قبور يدعى أهلها، ويستغاث بهم، وينذر لهم، وأولياء يعتقد فيهم أنهم ينفعون ويضرون، بمحض إرادتهم، ويتخذون بينهم وبين الله وسائط من خلقه، ينفون عن الرب – عز وجل – صفاته، بدعوى تنزيهه، مع أنه – سبحانه – قد أثبتها لنفسه.
بل إن هذه الدعوات، تجد في مؤلفات أصحابها تقرير ما يخالف منهج السلف الصالح، وانتحاله من مذاهب الصوفية القائلين بوحدة والوجود والحلول والاتحاد والتناسخ، أو المذاهب الصوفية، القائمة على الأوراد البدعية، والمحدثات والضلالات، ويرون أن هذا طريق الوصول إلى الله، وتحقيق محبته، ومحبة رسوله – صلى الله عليه وسلم – فأقاموا الشرك مقام التوحيد، والبدعة مقام السنة، والتفويض والتحريف والتعطيل، مقام التنزيه.
وفي هؤلاء وأمثالهم يصدق قول الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله -: مع أنك إذا طالعت في كتاب من كتب الكلام – مع كونه يزعم أن هذا واجب على كل أحد، وهو أصل الدين – تجد الكتاب – من أوله إلى آخره – لا يستدل على مسألة منه بآية من كتاب الله، ولا حديث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – اللهم إلا أن يذكره ليحرفه عن مواضعه.
ويصدق فيهم أيضا قول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: وأصل ضلال هؤلاء هو الإعراض عما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – من الكتاب والحكمة، ولابتغاء الهدى من غيرهما، فمن كان هذا أصله، فهو بعيد عن الخير.
كما يصدق فيهم قول الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن: ومن تغذى بكلام المتأخرين، من غير إشراف على كتب أهل السنة المشتهرين، بقي في حيرة وضلال.
وأئمة الدعوة الإسلامية النجدية السنية السلفية، هداهم الله – تعالى – إلى الاعتصام بالوحيين: كتاب الله، وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – فدعوا إلى تجريد التوحيد لله، والمتابعة لرسوله – صلى الله عليه وسلم – فاستقام منهجهم، وأتم الله – تعالى – لهم دولة، منذ ثلاثمائة عام، حين ناصر الإمام محمد بن سعود، أمير الدرعية آن ذاك، الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمهما الله تعالى – ثم من جاء بعده، من أئمة آل سعود في الدولة الأولى، والدولة الثانية، ثم في الدولة الثالثة، على يد الملك عبد العزيز – غفر الله له – ومن بعده أبناؤه الملوك: سعود وفيصل وخالد وفهد – رحمهم الله جميعا – حتى آل الأمر إلى عهد خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الأمير سلطان بن عبد العزيز، وفقهما الله لنصرة دينه، وإعلاء كلمته، فراية التوحيد مرفوعة، ومظاهر الشرك مطموسة، والدعوة إلى السنة ظاهرة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر قائم، بما لا يوجد له نظير في العالم، والله – جل وعلا – جعل ظهور الدين منوطا بأمرين: العلم النافع، والعمل الصالح، كما قال الله – تعالى – ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [الفتح: 28].
ولله الحمد على هذه النعمة، نسأله أن يوزعنا شكرها، وأن يزيدنا من فضله، وأن يوفق أمراءنا وعلماءنا وأمتنا، إلى التمسك بالشريعة، والذود عنها، والدعوة إليها، ونصرة من والاها، ومعاداة من عاداها، إنه على كل شيء قدير.
أئمة الدعوة يستدلون بالكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح
وعَوْد على ما تقدم ذكره من كون أئمة الدعوة يستدلون بالكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح، ننقل لكم شيئا من المأثور عنهم في هذا:
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: ولا خلاف بين العلماء – رحمهم الله - أن أدلة الشرع المتفق عليها ثلاثة: أية محكمة، أو حديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – يرويه العلماء بالأسانيد المتصلة، ويحتجون به على محل النزاع، والثالث الإجماع، وهو إجماع الصحابة والتابعين وأئمكة المسلمين، من المجتهدين.
وقال أيضا: والأدلة بالإجماع ثلاثة: الكتاب، والسنة، وإجماع سلف الأمة وأئمتها، وأما القياس الصحيح، فعند بعض العلماء حجة، إذا لم يخالف كتابا ولا سنة، فإذا خالف نصا، أو ظاهرا، لم يكن حجة، وهذا هو الذي أجمع عليه العلماء سلفا وخلفا.
موقف أئمة الدعوة من القياس
ولا يقبل أئمة الدعوة من القياس إلا ما كان صحيحا، فما تخلف أحد أركانه، أو خالف الكتاب والسنة، فإنهم يردونه، قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: ولا خلاف بين العلماء من المجتهدين، أن القياس إذا خالف نصا، أو ظاهرا، من كتاب، أو سنة ترك، وفسد اعتباره.
أئمة الدعوة من التقليد
أما التقليد فموقفهم منه واضح، فقد قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن، في جواب له: والواجب على المكلفين – في كل زمان ومكان – الأخذ بما صح، وثبت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولا لأحد أن يعدل عن ذلك إلى غيره، ومن عجز عن ذلك في شيء من أمر دينه، فعليه بما كان عليه السلف الصالح، والصدر الأول، فإن لم يدرِ شيئا من ذلك، وصح عنده عن أحد الأئمة الأربعة المقلَّدين، الذين لهم لسان صدق في الأمة، فتقليدهم سائغ حينئذ، فإن كان المكلف أنزل قدرا، وأقل علما، وأنقص فهما، من أن يعرف شيئا من ذلك، فليتقِ الله ما اتستطاع، وليقلد الأعلم من أهل زمانه، أو من قبلهم، خصوصا من عُرف بمتابعة السنة، وسلامة العقيدة، والبراءة من أهل البدع، فهؤلاء أحرى الناس وأقربهم إلى الصواب، وأن يلهموا الحكمة، وتنطق بها ألسنتهم، فاعرف هذا، فإنه مهم جدا.
أنواع التقليد
وقد قسم الشيخ حمد بن معمر – رحمه الله – التقليد إلى ثلاثة أنواع
أحدها: التقليد بعد قيام الحجة، وظهور الدليل على خلاف قول المقلد، فهذا لا يجوز، وقد اتفق الأئمة والسلف على ذمّه وتحريمه.
والنوع الثاني: التقليد مع القدرة على الاستدلال والبحث عن الدليل، فهذا أيضا مذموم، لأنه عمل على جهل، مع قدرته وتمكنه من معرفة الدليل المرشد، والله – تعالى – قد أوجب على عباده أن يتقوه بحسب استطاعتهم.
والنوع الثالث: التقليد السائغ، وهو تقليد أهل العلم عند العجز عن معرفة الدليل، وأهل هذا النوع نوعان أيضا: أحدهما: من كان من العوام، الذين لا معرفة لهم بالفقه والحديث، ولا ينظرون في كلام العلماء، فهؤلاء لهم التقليد بغير خلاف، بل حكى غير واحد إجماع العلماء على ذلك. والنوع الثاني: من كان محصلا لبعض العلوم، وقد تفقه في مذهب من المذاهب، ولكنه قاصر النظر عن معرفة الدليل، ومعرفة الراجح من كلام العلماء، فهذا له التقليد أيضا، إذ لا يجب عليه إلا ما يقدر عليه ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286].
وبنحو ما قاله الشيخ، قاله كل من: الشيخ حسين وإبراهيم وعلي أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكذلك الشيخ عبد الله أبا بطين، أضافوا أن هذا في غير أصول الدين، وأما ما كان في أصول الدين، فلا يجوز التقليد فيها بالإجماع.
موقف أئمة الدعوة من العقل
وأما موقف أئمة الدعوة من العقل، فهو موقف السلف الصالح، فالعقل عندهم مردود إلى النقل، فالنقل حاكم على العقل، مع إيمانهم بأن النقل الصحيح لا يعارض العقل الصحيح، وقد قرر هذا – باستفاضة – الشيخ سليمان بن سحمان، في كتابه “الضياء الشارد”.
موقف أئمة الدعوة من المنامات
وأما الحكايات والمنامات، فقد قال الشيخ سليمان بن سحمان، في “الصواعق المرسلة”: والحكايات والمنامات لا يثبت بها حكم شرعي، ولا يسوغ مثل هذا إلا في دين النصارى، فإن دينهم مبني على الحكايات والمنامات والأوضاع المخترعات، وأما دين الإسلام فهو محفوظ، فلا يثبت حكم شرعي إلا بكتاب الله – عز وجل – وبما صح الخبر به عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكان عليه عمل الصحابة – رضي الله عنهم – واشتهر ذلك بنقل الثقات العدول المتفق على عدالتهم.
موقف أئمة الدعوة من الاجتهاد
وأما الاجتهاد، فإنهم نفوا عن أنفسهم أن يكونوا مستحقين للاجتهاد المطلق، ولا مدعين له، وبينوا أن الاجتهاد لا يثبت إلا بشروطه التي اعتبرها أهل العلم – رحمهم الله -.
قال الإمام الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: ولا نستحق مرتبة الاجتهاد المطلق، ولا ندعيها، إلا أننا في بعض المسائل، إذا صح لنا نص من كتاب الله، أو سنة غير منسوخة، ولا مخصصة، ولا معارض أقوى منه، وقال به أحد الأئمة الأربعة، أخذنا به، وتركنا المذهب.
ولا ينكرون – رحمهم الله تعالى – على المخالف، إذا كان مجتهدا اجتهادا لم يعارض نصا من كتاب الله، ولا سنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – ولا إجماع من يعتد بإجماعه من هذه الأمة، لا ينكرون على المجتهد إذا كان بهذه المثابة، وأما إذا كان اجتهاده برأيه، فإنهم ينكرون عليه ما خالف فيه كتاب الله، أو سنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – أو الإجماع الذي حكاه أهل العلم، وقد قرر هذا باستفاضة الشيخ الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن – رحمه الله تعالى -.
وقد كان أئمة الدعوة – رحمهم الله – في منهجهم بالاستدلال على مسائل الدين يقتفون أثر سلف هذه الأمة من أهل العلم والإيمان، ومن ذلك أن العبادة إنما تثبت بالمتابعة لرسوله – صلى الله عليه وسلم – ولا طريق لإثباتها عندهم سوى هذا.
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – فهنا قاعدة مجمع عليها، وهي أنه لا يجوز لأحد بعد الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن يشرع شيئا من الواجبات، ولا من المستحبات، بل يكون هذا العمل بدعة وضلالة، يضر ولا ينفع، والدليل ليس على النافي، وإنما على المُثبت.
وقال الإمام محمد أيضا: والقائل: إنه يطلب الشفاعة بعد موته. يورد علينا الدليل من كتاب الله، أو من سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – أو من إجماع الأمة، والحق أحق أن يتبع.
ونقل الإمام محمد بن عبد الوهاب عن صاحب الإقناع قوله مقرا له: ومن اعتقد أن لأحد طريقا إلى الله غير متابعة محمد – صلى الله عليه وسلم – أو لا يجب عليه اتباعه، أو أن لغيره خروجا عن اتباعه، أو قال: أنا محتاج إليه بعلم الظاهر دون علم الباطن، أو في علم الشريعة، دون علم الحقيقة، أو قال: إن من العلماء من يسعه الخروج عن شريعته، كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى. كفر في هذا كله.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن، نقلا عن شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: فليس لأحد طريق إلى الله إلا من متابعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – بفعل ما أمر، وترك ما حذر، من جعل إلى الله طريقا غير متابعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – للخاصة والعامة، فهو كافر بالله ورسوله.
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن، في رسالة أملاها مبينا منهج أئمة الدعوة: ومن أصولهم أنهم يقولون بوجوب رد ما تنازعت فيه الأمة إلى كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – ولا يقبلون قولا مجردا عن دليل ينصره، وبرهان يعضده، لمجرد نسبته إلى شيخ، أو متبوع غير الرسول – صلى الله عليه وسلم – لا سيما من خالف هدي القرون المفضلة، وما درج عليه أوائل هذه الأمة، فإنهم يشددون على من خالفهم.
كما أن أئمة الدعوة يرون أن كل عبادة لم تنقل عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فالسنة تركها، وهو ما يعبر عنه بالسنة التركية.
إنكار البدع
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: وكذلك ينكرون التعبد بالبدع التي لم يشرعها الله ولا رسوله – صلى الله عليه وسلم – من كل فعل أو قول تركه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتركه أصحابه مع قيام المقتضي الموجب له لو كان مشروعا.
وقال الشيخ عبد الله بن محمد: أما سؤال الميت والغائب – نبيا كان أو غيره – تفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، وسؤال والاستغاثة به في الأمور المهمات، فهو من المحرمات المنكرة، باتفاق المسلمين، لم يأمر به الله، ولا رسوله – صلى الله عليه وسلم – ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين لهم باحسان، ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين، وهو ما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام.
حجية السنة، متواترها وآحادها في العمليات والعلميات
ويرى أئمة الدعوة حجية السنة، متواترها وآحادها في العمليات والعلميات، في الأحكام والعقائد، إذا كانت صحيحة، سالمة من الضعف والعلل.
قال الشيخ عبد الله: وأما متابعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – فواجب على أمته متابعته في الاعتقادات والأقوال والأفعال، قال الله – تعالى – ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31] وقال – صلى الله عليه وسلم -: «من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (1). رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: «مَن عَمِل عَمَلا ليس عليه أمرُنا فهو رَدّ» (2). فتوزن الأقوال والأفعال بأقواله وأفعاله، فما وافق منها قبل، وما خالف رُدّ على فاعله، كائنا من كان، فإن شهادة أن محمدا رسول الله، تضمن تصديقه فيما أخبر به وطاعته ومتابعته، في كل ما أمر به.
وقد ذكر الشيخ حسن بن حسين، معتقد السلف، نقلا عن حرب الكرماني، صاحب الإمام أحمد، وفيه: والدين إنما هو كتاب الله – عز وجل – وآثار وسنن وروايات صحاح عن الثقات والأخبار الصحيحة القوية المعروفة، ويصدق بعضها بعضا، حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه – رضي الله عنهم – أجمعين، والتابعين، وتابع التابعين، ومن بعدهم من الأئمة المعروفين، المقتدى بهم، المتمسكين بالسنة، والمتعلقين بالآثار.
ثم قال الشيخ حسن بن حسين: الذي أعتقده، وأدين الله به، وأشهد الله عليه وملائكته، والواقف على هذا، وهو المذهب الصحيح، الذي درج عليه السلف الصالحون، والخلف التابعون، وأبرأ إلى الله مما سواه.
العمل بالحديث الضعيف
ولا يحتج أئمة الدعوة إلا بما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أما الضعيف منها، فقد قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: لا تقوم به حجة، ولا تثبت به أحكام شرعية عند المحققين.
وقال: الواجب على المكلفين الأخذ بما صح وثبت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
وقال الشيخ عبد الرحمن: والأحاديث لا يقبل منها إلا ما رواه العلماء من أهل الأحاديث بالأسانيد المتصلة، التي ليس فيها من يتهم بالكذب، أو النسيان، أو غير ذلك من العلل التي ذكرها المحدثون.
قال الشيخ حمد بن معمر: وقولنا في هذه الأحاديث: إننا نؤمن بما صح منها، وبما اتفق السلف على إمراره وإقراره، فأما ما في إسناده مقال، واختلف العلماء في قبوله وتأويله، فإنا لا نتعرض له بتقرير، بل نرويه في الجملة، ونبين حاله.
وأورد الشيخ سليمان بن عبد الله حديث أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه -: «اثنان فما فوقهما جماعة» (3). ثم أورد طرقه، ثم قال: بالنظر إلى كثرة طرقه ورواته يفيد الحديث قوة على أنه ليس الاعتماد عليه وحده، بل على حديث مالك بن الحويرث السابق وهو الذي في الصحيح: «إذا سافرتما فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أكبرُكما» (4).
وذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن أحاديث كثيرة، تدل على إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما، إذا حال دون رؤية الهلال غيم، أو قطر، ثم قال: وكل هذه الأحاديث صحيحة، بعضها في الصحيحين، وبعضها في صحيح ابن حبان والحاكم وغيرهما، وإن كان قد أُعل بعضها، فلا يقدح في صحة الاستدلال بمجموعها، وتفسير بعضها ببعض، وكلها يصدق بعضها بعضا، والمراد منها متفق عليه.
التسليم لنصوص الشرع
ومن منهج أئمة الدعوة، التسليم لنصوص الشرع، بدون حرج يجدونه في أنفسهم، وعدم معارضتها برأي، أو عقل، أو قياس، قال الشيخ عبد الله بن محمد: الذي ينبغي للمؤمن تصديق الرسول – صلى الله عليه وسلم – في كل ما أخبر به من الأمور الغائبة، وإن لم يعلم كيفية ذلك، كما مدح – سبحانه – المؤمنين بذلك في قوله ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: 3-5].
وقال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف لما سئل عما أشكل على بعض الناس من كبر الأهلة، قال: وأنت فافهم – حفظك الله – غربة الإسلام، وما وقع في أنفسهم من الحرج عند الوقوف على الأمر والنهي، والعبادات مبناها على الاتباع والمشروع، والمشروع ما شرعه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومن أراد الاحتياط في نفسه في أمر العبادات بأمر لم يحتط به الرسول، ولم يحكم به، فلازم اعتقاده وفعله ومقاله نقص البلاغ من المشرع، وهذه مصيبة عظمى، وداهية كبرى، علق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الصوم والفطر بالرؤية، أمرا ونهيا، لا على المنازل، وكبر الأهلة قال – صلى الله عليه وسلم – في الأمر: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» (5). وقال في النهي: «لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه» (6).
وقال الإمام المجدد، محمد بن عبد الوهاب: فينبغي للإمام أن يجعل همه ومقصده معرفة أمر الله ورسوله، في مسائل الخلاف، والعمل بذلك، ويحترم أهل العلم ويوقرهم ولو أخطئوا، لكن لا يتخذهم أربابا من دون الله، هذا طريق المنعم عليهم، أما اتخاذهم أربابا من دون الله، إذا قيل: قال الله، قال رسوله – صلى الله عليه وسلم -. قيل: هم أعلم منا. فهذا طريق الضالين.
وقال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن: فالرسول – صلى الله عليه وسلم – جعله الله إماما للناس، فكما أنزل عليه القرآن، أنزل عليه السنة، موافقة للقرآن، مبينة له، فما وافق هديه، فهو الصراط المستقيم، وما خالفه، فهو البدعة والضلال الوخيم، وكل بدعة ضلالة، إذ لا طريق إلى الحق إلا من طريقه، لا شرب إلا من حوضه ورحيقه، وجميع الطرق مسدودة، وجميع الآراء مردودة، إلا ما وافق الكتاب والسنة.
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله: فإذا وجدنا مسألة، قد اختلف العلماء فيها، وجب علينا الرد إلى النصوص، فما وافق النصوص، وجب الأخذ به، وما خالفها وجب رده إليها، وأما تركها لقول بعض العلماء، والتعليل بأنهم أعلم منا بمعانيها، فلا يجوز، بل هذا عين التقليد المذموم الذي أنكره شيخنا – رحمه الله تعالى – كما أنكره العلماء قبله.
الوحيان يفسر بعضهما بعضا
ويرى أئمة الدعوة أن الوحيين يفسر بعضهما بعضا، فالقرآن يفسر السنة، والسنة تفسر القرآن.
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: وهنا أصول، أحدها: أن السنة والأحاديث النبوية، هي المبينة للأحكام القرآنية، وما يراد من النصوص الواردة في كتاب الله في باب معرفة حدود ما أنزل الله، كمعرفة المؤمن والكافر، والمشرك والموحد، والفاجر والبر، والظالم والتقي، وما يراد بالموالاة والتولي، ونحو ذلك من الحدود، كما أنها المبينة لما يراد من الأمر بالصلاة على الوجه المراد، في عددها وأركانها، وشروطها وواجبها، وكذلك الزكاة، فإن لم يظهر المراد من الآيات الموجبة ومعرفة النصاب، والأجناس التي تجب فيها، من الأنعام والثمار والنقود، ووقت الوجوب، واشتراط الحول في بعضها، ومقدار ما يجب في النصاب وصفته، إلا بيان السنة وتفسيرها.
وكذلك الصوم، والحج، جاءت السنة بيانهما وحدودهما، وشروطهما، ومفسداتهما، ونحو ذلك مما توقف بيانه على السنة.
وكذلك أبواب الربا، وجنسه ونوعه، وما يجري فيه، وما لا يجري، والفرق بينه وبين البيع الشرعي، وكل هذا البيان أخذ عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – براوية الثقات العدول، عن مثلهم، إلى أن تنتهي السنة إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فمن أهمل هذا وأضاعه، فقد سد على نفسه باب العلم والإيمان، ومعرفة معاني التنزيل والقرآن.
وقال الشيخ عبد الله بن محمد: لكن السنة تفسر القرآن وتبينه، وتفصل مجمله، لأن الله امتن على أزواج نبيه بالكتاب والحكمة، فقال ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾ [الأحزاب: 34]، قال كثير من العلماء: كان جبريل ينزل على النبي – صلى الله عليه وسلم – بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن، ولا يسمون ذلك نسخا، بل تفسيرا له وتوضيحا وتشريعا للأمة.
وها هنا مثال عملي بديع للإمام محمد بن عبد الوهاب في تفسير قوله – تعالى – ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون: 4-5]، قال ففسر السهو بالسهو عن وقتها أي إضاعته، والسهو عما يجب فيها، والسهو عن حضور القلب، ويدل على ذلك الحديث الذي في صحيح مسلم أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقرها أربعا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا» (7).
فوصفه بإضاعة الوقت بقوله يرقب الشمس وبإضاعة الأركان بذكره النقر وبإضاعة حضور القلب بقوله: «لا يذكر الله فيها إلا قليلا».
ومن ذلك أيضا قول الإمام، في تفسير قوله – تعالى – ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ﴾ [يوسف: 36] إلى قوله ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: 36] قال: فيه دلالة على قوله – صلى الله عليه وسلم -: «إِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ ما يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ وليتفل، ولا يُحَدِّثْ بها النَّاسَ» (8). وقوله – صلى الله عليه وسلم -: «الرؤيا على رجل طائر، ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت» (9).
ومن ذلك أيضا قول الشيخ عبد الرحمن بن حسن، في بيان معنى حديث ابن عباس: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله» (10). قال: وفيه معنى ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5].
ومن ذلك أيضا ما ذكره الإمام محمد بن عبد الوهاب، وجعله تفسيرا لما ورد في حديث عمرو بن عبسة – رضي الله عنه – قال: كُنْتُ، وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلاَلَةٍ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا، فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – مُسْتَخْفِيًا، جُرَءَاءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ ؟ قَالَ: «أَنَا نَبِيٌّ». فَقُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ ؟ قَالَ: «أَرْسَلَنِي اللهُ». فَقُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ ؟ قَالَ: «أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ لاَ يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ». قُلْتُ لَهُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا ؟ قَالَ: «حُرٌّ وَعَبْدٌ». قَالَ: وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ، وَبِلاَلٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ، فَقُلْتُ: إِنِّي مُتَّبِعُكَ» (11).
قال الإمام محمد: فيه تفسير لغربة الإسلام الواردة في قوله – صلى الله عليه وسلم -: «إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود كما بدأ، وهو يَأْرِزُ (12) بين المسجدين، كما تَأْرِزُ الحَيَّة فى جُحْرِهَا» (13).
الاعتماد على قول الصحابة في تفسير القرآن
ومن منهاج أئمة الدعوة، اعتمادهم على قول الصحابة في تفسير القرآن، واعتبارهم عمل السلف الصالح في هذه الأمة.
قال الشيخ عبد الله بن محمد: الذي نعتقد وندين الله به، هو مذهب سلف الأمة وأئمتها، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، من الأئمة الأربعة، وأصحابهم – رضي الله عنهم أجمعين – وهو: الإِيمان بذلك، والإِقرار به، وإمراره كما جاء، من غير تشبيه، ولا تمثيل، ولا تعطيل، قال الله تعالى ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115]، وقد شهد الله – تعالى – لأصحاب نبيه، ومن تبعهم بإحسان بالإِيمان، فعلم قطعا أنهم المراد بالآية الكريمة، فقال تعالى ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ – رضي الله عنهم – وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ﴾ [التوبة: 100]، وقال تعال ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الفتح: 18]، فثبت بالكتاب لهم أن من اتبع سبيلهم فهو على الحق، ومن خالفهم فهو على الباطل.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن، في الرد على من قال: إنه لا حجة فيما قاله الصحابة في معنى القرآن العزيز. قال: فإذا لم يكن قول الصحابة حجة، وهم الذين أخذوه عن نبيهم، وحضروا نزوله، وعرفوا أسبابه، وهم أعلم الأمة وأعدلها، الحجة في التفسير، فليت شعري، هل عرف من هذا مذهبه من المبتدعة، إلى غير ذلك مما لا حاجة إلى أن نطيل بذكره.
وقال الشيخ عبد الرحمن أيضا: فاعلم أنه لم يبلغنا عن أحد من الصحابة والتابعين ولا الأئمة، أنهم كانوا يستعملون ذلك فيما بينهم، يعني قوله: هنيئا لمن شرب. فاتخاذ ذلك عادة يخالف ما كان عليه السلف الأئمة، ولو كان مشروعا لسبق إليه من سلف من الأئمة.
وقال الشيخ عبد الله بن محمد: أما قولهم: حي على خير العمل. في الأذان فليس بثابت ولا عمل عليه عند أهل السنة.
الاستعانة على فهم الكتاب والسنة بالتفاسير والشروح المعتبرة
كما أن أئمة الدعوة – رحمهم الله – يستعينون على فهم الكتاب والسنة بالتفاسير والشروح المعتبرة.
قال الشيخ عبد الله بن محمد: ثم إنا نستعين على فهم كتاب الله بالتفاسير المتداولة المعتبرة، ومن أجلّها لدينا تفسير ابن جرير، ومختصره لابن كثير الشافعي، وكذا البغوي والبيضاوي والخازن والجلالين، وغيرهم، وعلى فهم الحديث بشروح الأئمة المبرزين، كالعسقلاني والقسطلاني على البخاري، والنووي على مسلم، والمناوي على الجامع الصغير، ونحرص على كتب الحديث، خاصة الأمهات الستة وشروحها، ونُعنى بسائر الكتب، في سائر الفنون، أصولا وفروعا وقواعد، وسِيَرا ونحوا وصرفا، وجميع علوم الأمة.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله -: وهذا كتاب الله، وتفاسير الأئمة له، وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مدونة بشروحها، المبينة للمقصود منها، وفي ذلك كله حل المشكل، وكشف الاشتباه، والشفاء لكل داء، والكفالة بالفلاح والهدى، والنجاة من المهالك والردى.
وقال: وهؤلاء علماء المسلمين، الذين هم أعلم الناس بمعنى ذلك، ورثوه عن أئمتهم الذين تخرجوا عليهم، وأخذوه عنهم، وربَّوْهم به، كما يربي الوالد الولد، وكتبوا لهم بذلك الشهادات والوثائق، وهم الذين عدلهم النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» (14).
وقال الشيخ محمد بن عبد اللطيف، والشيخ محمد بن إبراهيم – في نصيحة لهما إلى أبي الوفاء، ثناء الله الهندي -: ونوصيك أيضا: بالإكباب على كتب أهل السنة وتفاسيرهم، كالأمهات الست وغيرها من كتب الحديث، وتفسير ابن جرير وابن كثير والبغوي، وغيرها من تفاسير السلف من أهل السنة.
رد المتشابه إلى المحكم
كما أن من طريقة أئمة الدعوة، أنهم يردون المتشابه إلى المحكم، فقد ذكر الإمام محمد بن عبد الوهاب أربع قواعد، يدور عليها الدين، سواء كان المتكلم يتكلم في علم التفسير، أو في علم الأصول، أو في علم أعمال القلوب – الذي يسمى علم السلوك – أو في علم الحديث، أو في علم الحلال والحرام والأحكام – الذي يسمى علم الفقه – أو في علم الوعد والوعيد، أو في غير ذلك، من أنواع علوم الدين، وهذه القواعد باختصار:
أولها: تحريم القول على الله بلا علم.
والثاني: أن كل شيء سكت عنه الشارع، فهو عفو، لا يحل لأحد أن يحرمه، أو يوجبه، أو يستحبه، أو يكرهه.
والثالث أن ترك الدليل الواضح، والاستدلال بلفظ متشابه، هو طريق أهل الزيغ، والواجب على المسلم اتباع المحكم، فإذا عرف معنى المتشابه، وجده لا يخالف المحكم، بل يوافقه.
والرابع: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ذكر أن الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما مشتبهات، فمن لم يفطن لهذه القاعدة، وأراد أن يتكلم على كل مسألة بكلام فاصل فقد ضل وأضل.
لزوم طريقة السلف في فهم النصوص
كما أن من منهج أئمة الدعوة، لزوم طريقة السلف في فهم النصوص، قال الشيخ عبد الله بن محمد: وباتباع السلف الصالح، والأخذ بهديهم، وسلوك طريقتهم، والسكوت عما سكتوا عنه، يزول عن المؤمن شبهات كثيرة، وبدع وضلالات شهيرة، أحدثها المتأخرون بعدهم.
كما أن أئمة الدعوة يفسرون النصوص بما يوافق أصول أهل السنة والجماعة، وينكرون التفسير المخالف لها.
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: فلو قدر أن أحدًا قال في حق مسلم صحيح الإسلام: إنه كافر. فأهل السنة لا يكفّرونه بذلك، لأن هذا ذنب من الذنوب، وقد عرفت تأويلهم للحديث، وأن الأخذ بالظواهر المخالفة لأصول السنة، وما عليه الصحابة والتابعون وعلماء الأمة، هو رأي الخوارج.
قال ذلك – رحمه الله – حين بين قوله – صلى الله عليه وسلم -: «من دعا رجلا بالكفر، أو قال عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه» (15).
عدم الاستقلال بفهم النص
ومن منهجهم، عدم الاستقلال بفهم النص، أو العمل به على جهة الانفراد، أو على وجه لم يكن معروفا عند أهل العلم.
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب: بسم الله الرحمن الرحيم، ومن منهج أئمة الدعوة، أنهم يرون عدم الاستقلال بفهم النص، أو العمل به على جهة الانفراد، أو على وجه لم يكن معروفا عند أهل العلم.
وقال – رحمه الله – في رسالته إلى علماء البلد الحرام: وأنا أُشهد الله وملائكته، وأشهدكم أني على دين الله ورسوله، وأني متبع لأهل العلم، غير مخالف لهم.
وسئل الشيخ عبد الله بن محمد، عن رجل أفتى أن من لم يطف يوم العيد، وأراد أن يطوف بعده فعليه أن يحرم بعد رميه جمرة العقبة والذبح والحلق، فقال – رحمه الله -: الذي أفتى – عفا الله عنه – بحديث بلغه، ونحن ما جسرنا على الفتيا به، لأجل أنه خلاف أقوال العلماء من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم. ثم ذكر حديث أم سلمة في هذا وقال: رواه أبو داود بإسناد صحيح. قال البيهقي: لا أعلم أحدا من القدماء قال به. قال النووي: فيكون الحديث منسوخا، ودل الإجماع على نسخه.
التوقف عن القول في النص، إذا لم يظهر المراد منه
ومن منهجهم – رحمهم الله – التوقف عن القول في النص، إذا لم يظهر المراد منه، سئل الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – عن مانع عقد اللحية الوارد في الحديث، فقال: عقد اللحية لا أعلمه، لكن ذكر في الآداب كلام يقتضي أنه شيء يفعله بعضهم في الحرب على وجه التكبر.
وقال – رحمه الله -: وأما ما ورد في الفضل في حفظ القرآن، هل المراد حفظه مع فهمه ؟ فلا يحضرني جواب يفصل المسألة، ولكن حفظه مع عدم الفهم، لا يوجد في زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – والخلفاء إلا أشياء خاصة، لا عامة.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن، حين سئل عن حديث: وأما معنى الحديث، فلم يتبين لي فيه ما تطمئن به النفس، وسأبحث عن معناه، وأكتب لك الجواب مبسوطا، إذا فتح الله – تعالى – إن شاء الله، ونقول: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
النصوص يصدق بعضها بعضا، والتوفيق بينها متعين
ويرى أئمة الدعوة، أن النصوص يصدق بعضها بعضا، وأن التوفيق بينها متعين على الطرائق المقررة عند العلماء، قال الإمام محمد بن عبد الوهاب: فلا يجوز أن تضرب الأدلة بعضها ببعض، ويترك بعضها، بل كلها حق، يصدق بعضها بعضا.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن، مبينا أن الخطأ في فهم الكتاب والسنة، وعدم التوفيق بينها، سبب لحدوث البدع، قال: وأما البدع التي حدثت في هذه الأمة، فإن سببها أن أهلها أخطئوا في فهم الكتاب والسنة، في بعض الأصول، وصاروا هم وأهل السنة في طرفي نقيض، بخفاء الأدلة عليهم، وعدم التوفيق بينها في محل النزاع، كما جرى من الخوارج.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: ومن أصول أهل العلم، التي لا يمكن لأحد أن ينازع فيها، أنه إذا تعارض دليلان، وصار أحدهما أصح من الآخر، الأخذ بالصحيح، وترك ما دونه، كما إذا تعارض الصحيح والحسن، فكيف إذا عارض الصحيح الضعيف والمنقطع، أو الموضوع، أو المعضل، أو الحكايات المكذوبة، والهفوات المنسوبة إلى من لا تقوم بقوله حجة، فيتعين الأخذ بالصحيح عند جميع العلماء.
ومن منهجهم – رحمهم الله – لزوم طريقة أهل العلم في الاستنباط، والجمع بين النصوص، والترجيح، والقول بالنسخ، والعمل بالعام إذا لم يرد تخصيصه بما يصلح مخصصا له، والعمل بالمطلق على إطلاقه، إذا لم يرد ما يقيده، وتقديم المفهوم على المنطوق، والعمل بالمفاهيم بشروطها، وأنه لا يجوز تعيين مراد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أحاديث الأخبار، إلا بشرطه، واعتبار دلالة الاستقراء، والترجيح بين القرائن.
سمات منهج أئمة الدعوة في نقاط
هذه هي سمات منهج أئمة الدعة، في نقاط:
1- العناية بالدليل، والأدلة المعتمدة عندهم الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح.
2- الاتباع لمن سلف من أئمة الهدى والدين، سواء أكان ذلك في أصول المسائل أم فروعها.
3- الإعراض عن شذوذ العلماء.
4- التحرير والتدقيق.
5- لزوم السمت الشرعي في الخطاب والبيان والرد.
6- الأمانة والإنصاف.
7- الانضباط والسلامة من الاضطراب والنتاقض الشذوذ، لأنهم يجرون على قواعد قررها العلماء، يتحرون في تنزيل الفروع عليها، ولا يتبعون الأقوال الشاذة التي هجرها أهل العلم، لأن هجرانها دليل على مخالفتها للنصوص، وعدم استقامتها على الأصول.
نسأل الله – جل وعلا – أن يغفر لأئمة الدعوة، وأن يجزيهم خير الجزاء على ما قدموه لهذه الأمة، ونسأله – جل وعلا – أن يجعلنا ممن يقتفي أثرهم، ويتبع منهجهم، ويسلك سبيلهم، على طريق نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه الكرام البررة الأطهار، ونسأله – جل وعلا – أن يغفر لنا ويرحمنا، وأن يجعلنا من يستمع القول فيتبع أحسنه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
كلمة سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية، فضيلة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على نبينا محمد على آله وعلى صحابته أجمعين، وعلى من تبعهم باحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فمنذ ابتدأ الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – دعوته إلى الله، ونصيحته لعباد الله لأن يعودوا إلى كتاب ربهم، وإلى سنة نبيهم – صلى الله عليه وسلم – وإلى ما مضى عليه سلف هذه الأمة، من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم، وسار على نهجهم بإحسان، عارضه من عارضه، وجادل من جادل، وقال من قال، فادعى مدعٍ أن هذه الدعوة مذهب الخوارج، وقالوا: مذهب خامس. وقالوا: يكفرون الأمة. وقالوا: يغلقون باب الاجتهاد. إلى آخر ما قالوا، فقد افتروا الكذب، وتقولوا الأقاويل، ظلما وعدوانا، ما بين منخدع مغرور بالدعايات المضللة، التي لم يستطع تمييز حقها من باطلها، وصدقها من كذبها، وما بين مغتر ومخدوع، بما هو عليه من الباطل، راضٍ بباطله، مستمر على ضلاله، لا يقبل الحق، ولا يصغي إليه كبرا وحسدا وعنادا، ولكن الحق يعلو، ولا يعلى عليه، قال – تعالى – ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء: 18]، وقال ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: 81].
ومن حكمة الله أنه لا يصلح عمل المفسدين، فالمفسدون لا يصلح الله أعمالهم، ولا يمكن لهم في الأرض فمدعو النبوة بعد النبي – صلى الله عليه وسلم – بتر الله ذكرهم، وقطع آثارهم، ولم يبق لهم بقية، ذلك أن الإفساد لا يمكن أن يصلح الله أهله، لأن الله يقول ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس: 81]، فالفساد وإن طغى وعلا، لا بد أن يضمحل ويزول ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾ [الرعد: 17].
هناك دعوات كثيرة متعددة متنوعة، لكن لما كان كثير منها على خلاف الحق، فإنها بترت، أما الدعوات الإصلاحية، من دعاة العلم والهدى، وأئمة الإسلام، فإنها باقية، فإنه ما مضى قرن إلا ولله فيه من يقيم حجته على العباد، ويوضح الحق لهم، لأن الله ضمن لهذه الأمة بقاء دينها، قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «لا تزالُ طائِفةٌ مِنْ أُمّتِى ظاهِرِين على الْحقِّ، لا يضُرُّهُمْ منْ خذلهُمْ، حتّى يأْتِيَ أمْرُ اللَّهِ وهُمْ كذلِك» (16).
فهذه الأمة دينها محفوظ ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، وإن علا الباطل، وصار له جولات وصولات، لكن لا بد أن يضمحل، أما الحق فيعلو، ودعاة الحق والهدى، منذ القرون الخالية، إلى اليوم ونحن نذكر آثارهم ومناقبهم وفضائهم، هم حملة الشريعة، حملة الكتاب والسنة، فقهاء الأمة، دعاة الخير، فإن الأمة لا تزال تذكرهم، وتثني عليهم، تحقيقا لقول الله في دعاء إبراهيم – عليه السلام – ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ﴾ [الشعراء: 84]، أي ثناء حسنا.
وهكذا علماء الأمة في العصور الخالية، لا زال ذكرهم عاليا، هم حُفّاظ السنة، الذين حفظوا السنة ودونوها، المسلمون يذكرونهم دائما، ويثنون عليهم، ويترحمون عليهم، ويقرءون سيرتهم، يحبونهم ويدافعون عنهم.
والشيخ محمد – رحمه الله – من هذا النوع، من أئمة الإسلام، ومن دعاة الخير فالله – جل وعلا – وفقه وهداه لما أراد الله به وبالمسلمين خيرا، فقهه في الكتاب والسنة، فأدرك وعلم، فدعا إلى الله على علم وبصيرة، لا عصبية مذهبية، ولا إلى آراء خاصة، ولكن دعوة صريحة، إلى كتاب الله، وإلى سنة محمد – صلى الله عليه وسلم -.
فهذه الدعوة اعتمدت في مبانيها كلها على الكتاب والسنة، لم تكن داعية لمذهب، ولا لطريقة من الطرق، وإنما هي دعوة للحق الواضح، ولهذا عاداها أرباب الطرق، وعاداها الوثنيون، وعاداها المبتدعون، وعاداها الغلاة المفسدون، لأنها دعوة تناقض باطلهم، وتعيد الأمة إلى الكتاب والسنة.
فعلماء هذه الدعوة، منهجهم هو الكتاب والسنة، والسير على ما سار عليه سلف هذه الأمة، وعدم التقليد الأعمى، والخضوع إلى الحق، والعودة إليه، هكذا كان طريقة الشيخ وتلاميذه، ومن نقل طريقته، ومن ساروا على نهجه، كلهم – ولله الحمد – على هذا المنهج القويم، لم يدعوا لأنفسهم عصمة، ولم يدعوا لأنفسهم الكمال، ولم يدعوا لأنفسهم أنهم أتوا بما لم يأتِ به الأوائل، لا إنما هم متبعون لمن سلفهم، سائرون على ما ساروا عليه، متبعون للكتاب والسنة، محكمون لها، عاملون بها، مناضلون عنها، وهذه كتبهم ورسائلهم شاهدة بذلك، لمن أراد الحق.
لما وقف عليها المنصفون، والعلماء المخلصون، ورأوا ما فيها من الحق الواضح الجلي، أثنوا عليها، وكتبوا عنها، واقتبسوا منها، وتأثروا بها.
أما المغرضون والمبتدعون، ومن لا رغبة له في الحق، فهذا لَجَّ في باطله، ومحمد – صلى الله عليه وسلم – أفصح الخلق بيانا، وأكملهم علما وعملا، دعى إلى الله وصبر وصابر، وهاجر من مكة إلى المدينة، ما استجاب له إلا قلة من الناس، فمكث يجاهد ويجالد إلى أن مكنه الله، وفتح عليه مكة، ودانت له الجزيرة – صلى الله عليه وسلم – وهو رسول الله، ومع هذا حاربه قومه، ووصفوه بالشاعر والكاهن والساحر والكذاب، إلى آخره، كل هذا وهم يعلمون أنه على حق، كما قال الله – تعالى – ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [الأنعام: 33].
وهكذا أتباع رسول الله، لا بد أن يصيبهم ما أصابهم، قال الله – تعالى – ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: 1-3].
هذه الدعوة لم تكن دعوة مذهبية، ولا عنصرية، لم تكن دعوة كدعاة الطرق، هي دعوة صالحة خالصة – ولله الحمد – وهذا واضح جلي في رسائلهم وكتاباتهم وفتاواهم، وما ساروا عليه من الهدى، غفر الله لهم، وغفر الله للشيخ، ولمن نصره وأيده، وحمى دعوته الإمام محمد بن سعود – رحمه الله – وثبتنا على الحق، وجعلنا ممن أراد الحق وقصده، وعمل به، وصلى الله على محمد.
الأسئلة
السؤال الأول: سائل يقول: سماحة الشيخ انتشر بين الشباب أن من يدعو إلى السمع والطاعة لولاة الأمر، ويطلب من الشباب الارتباط بالعلماء، والسير على منهج أئمة الدعوة في الدعوة إلى التوحيد بأنه جامي، فهل هذا النبذ له وجه من الصحة ؟
الجواب: العلماء لهم ارتباط بالولاة، ومن فضل الله على هذه الأمة في هذا البلد، أن بين علمائها وقيادتها ارتباطا عظيما، واتصالا دائما، وتعاونا غير محدود، وهذا من نعم الله، فالعلماء إذا لم يرتبطوا بالقيادة، فمن يرتبط بها، والقيادة إذا لم ترتبط بالعلماء، فمن ترتبط به، فكوننا نَسِم من ارتبط بالولاة من علماء الأمة الذين يشدون أزر القيادة، ويقفون بجانبها، ويدافعون عنها، ويتعاونون معها على الخير، إذا وصفناهم بهذه الأوصاف، فإنا بهذا مخطئون، بل نقول: العلماء والولاة شيء واحد، يعين بعضهم بعضا، ويمد بعضهم بعضا، ويشد بعضهم أزر بعض، وارتباط الشباب بعلمائهم مما يخلصهم من الأفكار السيئة، والآراء الشاطة، والمبادئ الهدامة، فإن بعض شبابنا خدعه من خدعه، وغرر به من غرر به، من دعاة الفتنة والضلال، فارتباط الشباب بالعلماء فيه دعوة إلى التعاون على البر والتقوى، والتعاون مع القيادة، لأن الله يقول ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً (17)» (18).
فالمسلم يعتقد أن طاعة ولاة الأمور – في المعروف – أمر شرعي، مطالب به المسلم، حتى يعبد الله على بصيرة.
السؤال الثاني: يقول السائل: ما حكم الإسلام في الفِرق التي خالفت هدي الرسول – صلى الله عليه وسلم – مع كونهم يوحدن الله ويؤمنون بنبيه ؟
الجواب: تختلف هذه الفرق، فيهم القريب من الخير، وفيهم البعيد عنه، فعلى قدر المخالفة يكون البعد، وأقرب الناس للحق أعلمهم وأعملهم به، وأبعد الناس عن الحق من كان بعيدا عن العمل به، فهذه الفرق تختلف في ضلالها، وفي بدعها، وتختلف في قربها من الحق، وبعدها منه، على حسب مناهجها.
السؤال الثالث: يقول السائل: هل يجوز أن نقول لمن رأينا عليه بعض صفات النفاق كالكذب ونقض العهد بأنه منافق ؟
الجواب: إنه لا شك أن النبي قال النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» (19). وفي لفظ:: «أربعٌ مَنْ كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كان فيه خَصْلةٌ منهن كانتْ فيه خصلةٌ من النفاقِ حتى يدعَها: إذا ائتُمن خان، وإذا حدَّث كَذَبَ، وإذا عاهد غَدَرَ، وإذا خاصم فَجَرَ» (20). لكن لا ينبغي أن تقول: يا منافق. فإنك إذا قلت له هذه الكلمة، فقد تزيده تماديا في ضلاله، لكن قل: يا أخي هذه الخصال لا تليق بمسلم، فهي خصال المنافق، ينبغي أن تترفع عنها، أنت مسلم، تباعد عنها.
السؤال الرابع: يقول السائل: إذا اختلف عالمان في مسألة، هل يؤخذ بالأحوط أم بالأيسر، أو هو مخير، علما بأن العالمين على قدر واحد من العلم والورع ؟
الجواب: يؤخذ ممن وافق الحق وأيده الحق.
**************************************************************
( 1) أخرجه البخاري ( 2 / 166، رقم 2550)، ومسلم ( 5 / 132، رقم 1718).
( 2) أخرجه مسلم (3/1343، رقم 1718).
( 3) أخرجه ابن ماجه (1/312، رقم 972)، قال البوصيري (1/119): إسناده ضعيف. والبيهقي (3/69، رقم 4787)، وقال: هو ضعيف. وأخرجه أحمد (5/254 رقم 22243)، والطبراني (8/248، رقم 7974)، قال الهيثمي (2/45): له طرق كلها ضعيفة. وضعفه الألباني في الإرواء 489.
( 4) أخرجه الترمذي (1/399، رقم 205) وقال: حسن صحيح. والنسائي (2/8، رقم 634). وصححه الألباني في المشكاة 682.
( 5) أخرجه البخاري (2/674، رقم 1810)، ومسلم (2/762، رقم 1081).
( 6) أخرجه البخاري (2/674، رقم 1808)، ومسلم (2/760، رقم 1080).
( 7) أخرجه مسلم ( 2 / 110، رقم 1357).
( 8) أخرجه أحمد (2/507، رقم 10598)، ومسلم (4/1773، رقم 2263).
( 9) أخرجه أبو داود (4/305، رقم 5020)، والترمذي (4/536 رقم 2279). وقال: حسن صحيح. وابن ماجه (2/1288، رقم 3914). وصححه الألباني في الصحيحة 120.
( 10) أخرجه أحمد (1/293، رقم 2669)، والترمذي (4/667، رقم 2516) وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني في ظلال الجنة 315.
( 11) أخرجه مسلم (1/569، رقم 832).
( 12) أي ينضم إليها ويجتمع بعضه إلى بعض فيها. النهاية: أرز.
( 13) أخرجه مسلم (1/131، رقم 146).
( 14) أخرجه الديلمي (5/537، رقم 9012)، والبيهقي (10/209، رقم 20700). وصححه الألباني في المشكاة 248.
( 15) أخرجه أحمد (5/166، رقم 21503)، والبخاري (3/1292، رقم 3317)، ومسلم (1/79، رقم 61).
( 16) أخرجه البخاري (6/2667، رقم 6881)، ومسلم (3/1523، رقم 1921).
( 17) أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم. شرح النووي على مسلم 12/238.
( 18) أخرجه مسلم (3/1478، رقم 1851).
( 19) أخرجه البخاري (1/21، رقم 33)، ومسلم (1/78، رقم 59).
( 20) أخرجه البخاري (1/21، رقم 34)، ومسلم (1/78، رقم 58).

0 komentar:

Posting Komentar

Wa Tawaashou Bil Haqqi Wa Tawaashou Bisshobri !

 
.::_Alumni STIBA Makassar_::.
© Sekretariat : Jl. Inspeksi PAM Manggala Makassar 90234 HP. (085 236 498 102) E-mail:alumni.stiba.mks@gmail.com |(5M) |Mu'min |Mushlih |Mujahid |Muta'awin |Mutqin